للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - ومُسكِّنٌ ثالثٌ يتمثلُ في صدقِ الدعاءِ والتضرعِ لله: {فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (١)، {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} (٢).

ومنْ هَدْيِ النبوةِ قبسٌ ودعاءٌ يُذهبُ الهمَّ والغمَّ، ففي «المسند» و «صحيح أبي حاتم» منْ حديثٍ عبد اللهِ بن مسعودٍ رضيَ اللهُ عنهُ قال: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «ما أصابَ عبدًا همٌّ ولا حَزَنٌ فقال: اللهمَّ إني عبدُك ابنُ عبدِك، ابنُ أَمَتِك، ناصِيَتي بيدِكَ، ماضٍ فيَّ حكُمكَ، عدلٌ فيَّ قضاؤُك، أسألُكَ بكلِّ اسمٍ هوَ لك، سميتَ بهِ نفسَكَ أو أنزلتَهُ في كتابك، أو علَّمْتَهُ أحدًا منْ خلقكَ أو استأثرتَ بِهِ في علمِ الغيبِ عندك، أنْ تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي، ونورَ صدري وجلاءَ حُزْني وذهابَ همِّي وغمِّي، إلا أذهبَ اللهُ همَّهُ وغمَّهُ وأبدلَهُ مكانهُ فرحًا»، قالوا: يا رسولَ الله، أفلا نتعلمهن؟ قال: «بلى، ينبغي لمنْ سمعهنَّ أنْ يتعلمهن» (٣).

فهل نعلمُ هذا الدعاء؟ وهل نعملُ به؟ وهلْ نجدُ لهُ أثرًا في حياتنا؟

٤ - أما المسكِّن الرابعُ فهوَ النظرُ بتفاؤلٍ للمستقبل، وعدمُ حبسِ النفسِ تحتَ ضغطِ الواقعِ المؤلم، إذْ كثيرًا ما يتضايقُ المرءُ ويقلقُ ويضجرُ نتيجةَ ما يراهُ حاضرًا منْ أحداثٍ مؤلمة، لكنهُ حينَ يتجاوزُ الحاضرَ ويتفاءلُ بالمستقبلِ يُسرِّي عنْ نفسهِ ويقودُها للعملِ والإنتاجِ والبهجةِ والسرور، فالأحزانُ لا تدوم، والضيقُ يعقبهُ الفرجُ، والصبرُ جسرٌ يعبرُ عليهِ الصابرون من حالٍ إلى حال، وهذا رسولُ الهدى صلى الله عليه وسلم حينَ ضاقتْ على أصحابهِ المهاجر، وجاءوا إليهِ يشكونَ ما


(١) سورة الأنعام، الآية: ٤٣.
(٢) سورة النمل، الآية: ٦٢.
(٣) الفوائد/ ٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>