للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يلقونَ منْ عَنَتِ المشركين، وقالَ قائلُهم: ألا تستنصرُ لنا، ألا تدعو لنا؟ فتحَ لهمْ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بابَ الأمل، وبشَّرهمْ بمستقبلٍ مشرق، بعدَ ترويضهمْ بالبصرِ واليقين: «واللهِ ليُتِمَّنَّ اللهُ هذا الأمرَ حتى يسيرَ الراكبُ منْ صنعاءَ إلى حضرموتَ، لا يخافُ إلا اللهَ والذئبَ على غَنمِه، ولكنكمْ تستعجلون».

٥ - ومن المسكِّناتِ في الأزماتِ: كثرةُ العبادةِ والاستمرارُ على الطاعة؛ إذ الأنفسُ تُشْغَلُ، والقلوبُ تضعُف، والذهنُ يتشتَّت (١)، والمؤمنُ الذي يداوي ذلكَ بكثرةِ العبادةِ لا شكَّ موفَّقٌ مروِّضٌ لنفسِه، ولهذا ندبَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم المسلمينَ إلى العبادةِ في الهَرْجِ وعظَّمَ أمرَها فقال: «العبادةُ في الهَرْجِ كهجرةٍ إليَّ».

ولا ريبَ- معاشرَ المسلمين- أنَّ منْ فعلَ ما يوعَظُ بهِ آنسَهُ اللهُ وثبَّته، {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} (٢).

٦ - والدعوةُ للخيرِ في الأزماتِ كذلكَ مفتاحٌ لحلِّها بإذنِ الله، وفي ذلكَ إشغالٌ للنفسِ بما ينفعُ، أجل، إنَّ الفارغَ منَ العملِ المثمرِ يقضي وقتهُ بالتفكرِ والتحسرِ السلبي، لكنْ إذا صرفَ هِمَّتَهُ للدعوةِ ونَفْعِ الناسِ نفعَهُ الله، ونفعَ الناسَ به، ومنْ تأملَ سيرةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنينَ معَهُ وجدَهمْ في أشدِّ الضيق والأذى يمارسونَ الدعوةَ إلى الله، وعجِبَتْ قريشٌ وهيَ تضايقُهم، وأفرادٌ منَ المعدودينَ فيهمْ يستجيبونَ للدعوةِ وينضمونَ لقافلةِ المؤمنين .. ومن أبرزِ هؤلاء: حمزةُ وعمرُ بن الخطابِ وغيرُهمْ كثيرٌ رضيَ اللهُ عنهمْ أجمعين، بلْ ومنْ خارجِ مكةَ أمثال: أبي ذرٍ الغفاري، والطُّفيلِ بن عمرو الدَّوْسيِّ وغيرِهما رضيَ الله عنهمْ أجمعين.


(١) وربما انشغل الناس بالقيل والقال وفتر عن عبادة ربه.
(٢) سورة النساء، الآية: ٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>