للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وضعتِ الحربُ أوزارَها، ومَنْ يُحاكِمُ الجانيَ إذا لمْ تثبتْ تهمتُهُ؟

لا شكَّ أنَّ غزوَ العراقِ سابقةٌ في التاريخِ المعاصرِ لا ينبغي أنْ تمرَّ على المسلمينَ بسلامٍ وعفويّةِ، فالغربُ ذاتُه كانَ يتوقَّعُ ردودَ أفعالٍ صاخبةٍ، ومعَ الأسفِ كانَ استنكارُ غيرِ المسلمينَ أقوى وأبلغَ مِنَ المسلمينَ!

إننا لا نأسى على رُموزٍ ظَلَمةٍ غيّبتْهمُ الأحداثُ بعدَ طولِ ضجيجِ وإفسادٍ في الأرضِ، ولا نأسى على حزبٍ طالما أَهلكَ بجَبَروتِهِ الحرثَ والنسلَ، ولكننا نأسى ونحترقُ لأمّةِ العراقِ المسلمةِ، ولشعبِ العراقِ المسلمِ، نأسى لثروةِ الأمّةِ في بلدِ العراقِ، تلكَ التي لمْ يكتفِ الغُزاةُ والمفسدونَ بعدمِ الاكتراثِ بها أرواحًا، وأموالًا، ومُقدَّراتٍ .. بلْ تطاولوا على مُقدَّراتِ الأمّةِ وإرثِها الحضاريِّ حتى قيلَ: «أحدثُ حضارةٍ تُدمِّرُ أقدمَ حضارةِ» (١) فأحرَقوا الكتبَ، ودُمِّرتِ المكتباتُ، والتقتْ دماءُ البشرِ على مِدادِ الكتبِ، في مشهدٍ يُذكِّرُنا بهجمةِ (التَّترِ) على بغدادَ حينَ اختلطتْ مياهُ الأنهارِ معَ دماءِ المسلمينَ، وتغيَّرَ لونُ الماءِ بمِدادِ الكُتبِ، ولسنا ندري لِمَ كانتْ ضجةُ الغربِ حينَ حطمتْ طالبانُ الأصنامَ؟ واليومَ يرعى الغربُ تحطيمَ آثارِ العراقِ!

لقدْ كانتْ كارثةُ الأمسِ وكارثةُ اليومِ نُذُرًا للمسلمينَ وعواقبَ إلهيةً على الغفلةِ والفسادِ والخيانةِ التي تكفي أن تقعَ منْ فئةٍ ولا تستطيعُ الفئةُ الأخرى دفْعَها وإصلاحَها، فاللهُ يقول: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (٢).

أجلْ، إنَّ المتأمِّلَ في سياقِ التاريخِ يرى أنَّ أمّةَ الإسلامِ منذُ القِدَمِ مستهدفةٌ


(١) الرياض ٢٩/ ٢/ ١٤٢٤ هـ.
(٢) سورة الأنفال، الآية: ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>