للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسمعوهُ منْ حالِ الفتنةِ، فإنهمْ يتذكَّرونَ بإنشادِهمْ ذلكَ، فيصدُّهم عنِ الدخولِ فيها حتى لا يغترُّوا بظاهرِ أمرِها أولًا (١).

ونعودُ لإجابةِ السؤالِ: (لماذا نحذر الفتنَ؟ ) فنقولُ: لعدّةِ أمورٍ، منها:

١ - لأنَّ الفتنَ توقعُ الفرقةَ والاختلافَ بينَ المسلمينَ، فيضعفُ حَبلُ الإخاءِ، وتضمرُ ميادينُ التعاونِ على البرِّ والتقوى، واللهُ أَمَرَنا بالتعاونِ على الخيرِ، وأوصانا بالأخوّةِ والإصلاحِ، ونهانا عن الفُرقةِ والاختلافِ: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (٢).

٢ - ولأنها سببٌ لاختلاطِ الأوراق، وتدسسِ أهلِ الرِّيَبِ، وبُروزِ النفاقِ، وهيَ أجواءٌ للمنافقينَ الذين يسعَوْنَ في الأرضِ فسادًا بلهجةِ الناصحينَ المصلحينَ.

وإذا كانتِ الأمورُ في أيامِ (الفتنةِ الأُولى) في زمنِ الصحابةِ كانَ لها وقعُها وأثرُها في تصدُّعِ الأمّةِ وذهولِها إلى حدٍّ توقفَ معهُ سَيرُ الفتوحِ الإسلاميةِ في ظلِّ تلكَ الأزمةِ، وجيلُ الصحابةِ لا يزالُ موجودًا، فما الظنُّ بغيرِهمْ؟

٣ - والفتنُ تُشغِلُ عنِ العبادةِ والطاعةِ، وتشلُّ حركةَ الاحتسابِ والدعوةِ، إذ الناسُ في شُغلٍ شاغلٍ ونَصَبٍ دائبٍ، وتفكيرٍ بالمُصاب الأعظمِ (الفتنِ وأطرافِها)، والنفوسُ متوترةٌ، والقلوبُ مشحونةٌ، والتوجُّسُ والرِّيبةُ تحلُّ محلَّ الثقةِ والطمأنينةِ .. وهذا بلا شكِّ يُخلِّف آثارًا سلبيةً لا سيَّما على العبادةِ والدعوةِ.

٤ - وفي المقابلِ ففي أجواءِ الأمنِ والسِّلمِ يمتدُّ رِواقُ الإسلامِ، وتُنشَرُ


(١) «الفتح» ١٣/ ٥٠.
(٢) سورة آل عمران، الآية: ١٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>