للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضعفٌ في حالِ الغنى، وضعفٌ في حالِ الفقْرِ، وضعفٌ عندَ شدةَّ الحرارةِ، وضعفٌ عندَ شدَّةِ البرودَةِ .. إلخ مظاهرِ الضعفِ، فإنْ قُلتَ: فكيف هذا الضعفُ؟ وما هيَ مظاهرُهُ؟ أجبتُ بما يلي:

أما الضعفُ في حالِ البدْءِ والنهايةِ فقدْ كشفَ القرآنُ الكريمُ عنْها بقولِهِ تعالَى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} (١)، والآية وإنْ كانَ معناها واضحًا ومُدْركًا منْ خلالِ الواقعِ المُشاهَدِ، ومنْ خلالِ أطوارِ الإنسانِ ومراحِلهِ التي لا يمكنُ لأحدٍ أنْ يتجاوزَها .. أو يُخالفَ سُنةَ اللهِ فيها.

إلا أنَّ الحكمةَ الإلهيةَ هُنا أنْ يَرى العبدُ ضعفَهُ، وأنَّ قوتَه محفوفةٌ بضَعفَيْن وأنهُ ليسَ لهُ من نَفْسِه إلا النقصُ، ولولا تقويةُ اللهِ لهُ لما وصَلَ إلى قوةٍ وقدرةٍ، ولو استمرَّتْ قوَّتُه في الزيادةِ لطَغَى وبَغَا وعَتَا (٢).

إنَّ الإنسانَ يبدأُ حياتَه معتمدًا- بعدَ اللهِ- على الآخرينَ، وتنتهي حياتُه كذلكَ وهو غيرُ مستغْنٍ عنِ الرعايةِ والإعانةِ منَ الآخرين إنَّهُ يخرجُ إلى الدنيا لا يعلمُ شيئًا .. وقبلَ أن يودِّعَ الدنيا يعودُ مرةً أخرى لا يعلمُ بعدَ علمٍ شيئًا .. تأملوا ذلك في آيتين من كتابِ اللهِ يقول تعالى عن المرحلة الأولى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا} (٣)، ثُم يقولُ عن المرحلةِ النهائيةِ: {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} (٤).

أما واقعُ الناسِ فيقولُ: إنَّ المرءَ قد يَعُولُ ابنَهُ الصغيرَ وأباه الكبيرَ في آنٍ


(١) سورة الروم، الآية: ٥٤.
(٢) السعدي، تفسير كلام المنان (٦/ ١٤٢).
(٣) سورة النحل، الآية: ٧٨.
(٤) سورة النحل، الآية: ٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>