للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَريدًا بلحمٍ سَمينٍ، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهوَ يتجشَّى (والتجشؤُ: تَنَفُّسُ المَعدةِ عندَ الامتلاءِ).

فقالَ لهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أكفُفْ عليكَ منْ جُشائِكَ أبا جُحيفةَ، فإنَّ أكثرض الناسِ شِبَعًا في الدنيا أطولُهم جُوعًا يومَ القيامةِ»، فما أكلَ أبو جحيفةَ بملءِ بطنهِ حتى فارقَ الدنيا، وكانَ إذا تغدَّى لا يتعشَّى، وإذا تعشى لا يتغدى (١).

ويُروى كذلكَ منْ وصايا لقمانَ لابنهِ: يا بنيَّ لا تأكلْ شبعًا فوقَ شبعٍ، فإنكَ إنْ تَنْبِذْه للكلبِ خيرٌ منْ أنْ تأكلَه (٢).

ولقدْ قيلَ: منَ السرفِ أنْ تأكلَ كلَّ ما اشتهيتَ؛ لأنَّ كثرةَ الأكلِ تدعو إلى كثرةِ الشرب، وذلكَ يُثقلُ المَعِدةَ، ويُثبطُ الإنسانَ عنْ عبادةِ ربِّه، والأخذِ بحظِّهِ منْ نوافلِ الخيرِ، فإنْ تعدَّى ذلكَ إلى ما فوقَه ممّا يمنعُه القيامَ بالواجبِ عليهِ حُرّم عليهِ، وكانَ قدْ أسرفَ في مطعمِهِ ومشربهِ (٣).

أيُّها المسلمونَ: لقدْ أسرفْنا في مأكولاتِنا ومشروباتِنا. مُقبِّلاتٌ قبلَ الطعامِ، وأنواعٌ منَ الطعامِ، وأشكالٌ منَ اللحومِ: مشويٌّ، ومضبيٌّ، وأحمرُ وأبيضُ، وكبابٌ ورِيَشٌ .. وأنواعٌ أخرى، وأَصنافٌ من (الزلطاتِ) والمشروباتِ، وفي الختامِ لا بدَّ من حلوى ومُهضِّماتٍ!

ومَنْ يرقُبْ حالَ الناسِ وأعدادَ المراجِعينَ للمستشفياتِ يَرَى عَجبًا .. فمَعَ تقدُّمِ الطبِّ، إلا أنّ أعدادَ المرضى في تزايدٍ، وأنواعَ الأمراضِ في تصاعدٍ، تعرفُ منها وتُنكِرُ، حتى ظهرتْ أسماءُ أمراضٍ لمْ تكنْ معروفةً منْ قبلُ .. ولا


(١) تفسير القرطبي ٧/ ١٩٤.
(٢) السابق ٧/ ١٩٥.
(٣) تفسير القرطبي ٧/ ١٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>