للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يختصموا يختلفوا، ومتى ما يختلفوا يقتتلوا، قال (عمر) لله أبوك، لقد كنت أكتمها الناس حتى جئت بها (١).

إنها مسارعة في القراءة دون فهم أوفقه، لا تكاد تجاوز الحناجر، ولذا ظل الخوارج حين كانوا يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من زمان يكثر قراؤه ويقل فقهاؤه فقال: «يأتي على الناس زمان يكثر فيه القراء ويقل فيه الفقهاء، ويقبض العلم ويكثر الهرج» (٢).

أما الداء الآخر فهو التعجل في نقد العالم الفلاني، والمسارعة في التطاول على العالم الآخر، والحط من قدر ثالث، واتهام رابع بالتغفل وهكذا .. إنها أحن وشحناء وشنشنة ورغاء أقزام تتطاول على عمالقة، وجهلة تحاور عالمين، ومغمورون يتهمون المشاهير .. إنها تطاولات مذمومة، ومحاورات آثمة .. ليس حظ القارئ منها إلا البلبلة والتشويش وليس نصيب المجتمع فيها إلا الدغل والوحشة والفرقة والخلاف والشحناء والبغضاء أما إذا انضاف إلى ذلك محاولة التسلل إلى ثوابت الدين، أو التنقض من معلوم من الدين بالضرورة، أو اللمز على قواعد الشريعة فذاك الداء العضال، وتلك الفتنة التي لا بد من التصدي لها وإيقاف أصحابها والمتسللين من خلالها.

لماذا يكتب أهل الأهواء، وكيف يحصل الاضطراب عندهم، ومن يتقصدون؟ هذا سؤال يجيب عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله معريًا لهذه الفئة ويقول: أكثر أصحاب المقالات صار لهم في ذلك هوى، أن ينتصر جاههم أو


(١) (رواه عبد الرزاق في مصنفه ١١/ ٢١٧ ح ٢٠٣٦٨، والفسوي في تاريخه ١/ ٥١٦، والذهبي في السير ٣/ ٣٤٩ وقال المحقق رجاله ثقات).
(٢) (رواه الطبراني في الأوسط، والحاكم في المستدرك ٤/ ٤٥٧، وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي).

<<  <  ج: ص:  >  >>