للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولزمته الهموم فأرشده أن يقول إذا أصبح وإذا أمسى: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال». قال أبو أمامة رضي الله عنه: ففعلت ذلك فأذهب الله همي وقضى ديني، وبالجملة فأهل الإيمان لا مكان لهذا المرض عندهم {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} (١).

أيها المؤمنون تكاد تنحصر دواعي القلبي وكثرة الهموم والأحزان في التحسر على ماضٍ عمله الإنسان وهو عليه نادم، أو إشغال الفكر بمستقبل لا يدري ما الله صانع فيه. وهو منه متخوف وجل، أو مواجهة لواقع نازل لا يدري كيف الخلاص منه (٢).

أما القلق من المستقبل فقد قيل: إن من أخطاء الإنسان أن ينوء في حاضره بأعباء مستقبله، واستعجال الضوائق التي لم يحن موعدها ولا يدري ما في غيب الله منها. حمق كبير، وإفساد الحاضر السعيد بشؤون المستقبل المتقوقع خطأ صرف، وإساءة الظن وتشاؤم مبكر لا يليق بالمسلم الذي علمه الإسلام حسن الفأل وتوقع الخير، والرضاء بالقضاء والقدر وأما التحسر على الماضي الفاشل، والبكاء المجهد على ما وقع فيه من آلام وهزائم فذلك التحسر السلبي الذي يزيد الألم ألمًا وينكأ الجرح الذي أوشك على الشفاء، ويجر النفس إلى الوراء كلما رامت التقدم إلى الأمام ذاك في نظر العقلاء.

وهو في نظر الشرع تسخط على أقدار الله الواقعة لا ينبغي للمؤمن أن يقع فريسة له، ولا أن يثلم عقيدته بكثرة الأسى لفوات مرغوب أو عدم الحصول على


(١) سورة الرعد، الآية: ٢٨.
(٢) الغزالي: جدد حياتك: ص ٢٣، ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>