للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن نقد الذات من سمات العقلاء، والتأمل في النفس جاءت به شريعة السماء، أما إحالة الأخطاء كلها على الآخرين فذلك أسلوب العاجزين، وهو أقصر الطرق للهروب من المشكلات وتعليل الكائنات، وتزكية النفس جاءت نصوص الشرع ناهية عنه كما في محكم التنزيل: {فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} (١) بل هو أحيانًا ضربٌ من الكذب وكفى به إثمًا مبينًا كما في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٤٩) انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُّبِيناً} (٢).

إخوة الإسلام، ويذكرنا القرآن بهذا الداء، ويرشدنا الحق تبارك وتعالى إلى الدواء ويقول: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} (٣).

ويقول تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (٤).

أجل، لقد قيل لصحابة رسوله الله صلى الله عليه وسلم:

{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (٥).

لقد استغربوا ما حصل من المصيبة يوم أحد، وقالوا: من أين أصابنا هذا الانهزام والقتل، ونحن نقاتل في سبيل الله، ونحن مسلمون، وفينا النبي والوحي، وهدم مشركون (٦)؟ فجاء الرد الإلهي درسًا بليغًا ومعلمًا لهم ولغيرهم


(١) سورة النجم، الآية: ٣٢.
(٢) سورة النساء، الآيتان: ٤٩، ٥٥.
(٣) سورة الشورى، الآية: ٣٠.
(٤) سورة الأنفال، الآية: ٥٣.
(٥) سورة آل عمران، الآية: ١٦٥.
(٦) تفسير القرطبي ٤/ ٢٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>