للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخوف والرجاء، تقدم الخير راجية عفو الله، وتزري بنفسها خشية عدم القبول، ومن مأثور ما يستملح في هذا ما روي عن عبد الله بن الإمام الحجة بكر بن عبد الله المزني (رحمهما الله) قال: سمعت إنسانًا يتحدث عن أبي أنه كان واقفًا بعرفة، فقال: (لولا أني فيهم لقلت قد غفر لهم) (١).

أما المظهر الرابع من مظاهر ضعف نقد الذات فهو الانشغال عن عيوب النفس بتعداد عيوب الآخرين، وإضاعة الأوقات بتقييم أعمال العاملين، وكان الإنسان ينصب نفسه حكمًا فيصوب هذا ويخطئ ذاك، وينسى نفسه في زحمة المحاكمات والموازنات.

ومن عيون الشعر قول القائل:

يا أيها الرجل المعلم غيره ... هلا لنفسك كان ذا التعليمُ

ابدأ بنفسك فانهها عن غيها ... فإذا انتهتْ عنه فأنت حكيمُ

ويل الخلي من الشجي فإنه ... نصب الفؤاد لشجوه مغمومُ

وترى الخير قرير عين لاهيًا ... وعلى الشجر كآبة وهموم

وينتج عن هذا مظهر خامسٌ يتمثل في تقصير الإنسان بحقوق خالقه أو خلقه، كالتهاون في العبادات البدنية، أو استثقال العبادات المالية، أو التفريط في الواجبات، أو التساهل في أمر المحرمات ... أو ما شابه ذلك من حقوق الله. أما حقوق الخلق فبمنع حقوقهم، أو الاعتداء على أعراضهم، أو التقصير في شيء من واجباتهم .. ويترتب على ذلك انحراف في الطبع، وشرهٌ في النفس، واستصحاب الأدواء المهلكة كالكبر والعجب والحسد ونحوها.


(١) رواها ابن يسعد في طبقاته ٧/ ٢٠٩، وعلق عليها الذهبي بقوله: كذلك ينبغي للعبد أن يُزريَ على نفسه ويهضمها (سير أعلام النبلاء ٤/ ٥٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>