للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عباد الله، وثمة مظهرٌ من مظاهر ضعف نقد الذات يتمثل في كرهنا لنقد ذواتنا والتطلع إلى الثناء يُهدي إلينا .. ويطيب لنا الحديث عن الحسنات والإيجابيات، ونضيق حين ذكر السيئات والسلبيات، بل نحب حديث المجامل وإن أدركنا خطأه في الفهم، وتعلونا الكآبةُ حين يتحدثُ الناصح بشيء من عيوبنا وإن كان واقعًا؟ .

ومن المظاهر كذلك أن نحتجز طاقةً نمتلكها، ونبخل بجهد يسهلُ علينا تقديمه خدمة لدين الله .. وفرق بين من يحتجز طاقة يملكها ويبخل بالخير يقدمه لنفسه وللمسلمين، وبين من يبلغ به الإيمان والتجرد من حظوظ النفس إلى درجةٍ يبذل ما هو معذورٌ ببذله، ودونكم هذا المثال فتأملوه: قال أنس بن مالك، رضي الله عنه، رأيت يوم القادسية عبد الله بن أم مكتوم، رضي الله عنه، وعليه درع يجر أطرافها، وبيده رايةٌ سوداء فقيل له: أليس قد أنزل الله عذرك؟ قال: بلى، ولكني أكثر سواد المسلمين بنفسي (١).

لله درك يا ابن أم مكتوم وأنت تفهم هذا الفهم، رجل أعمى، وشيخ كبيرٌ قد عذرك الله، ولكنك تصر على الجهاد في سبيل الله، لا لتنكأ بالعدل فأنت لا تستطيع ذلك - فإذ لم تستطع فيكفيك أن تكثر سواد المسلمين- فهل رأيتم مثل هذه الإيجابية والفدائية وما أرخصها في سبيل الله؟ .

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (٩٥) دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} (٢).


(١) تفسير القرطبي ٤/ ٢٦٦.
(٢) سورة النساء، الآيتان: ٩٥، ٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>