للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة (١)! هكذا قيل قديمًا، وكذلك يشهد التاريخ حديثًا.

إن التجافي عن العدل يحطم مقدور الأمة، ويهدر طاقاتها، ويصاب بالإحباط ذوو القدرات من أبنائها إذا زلت بهم القدم مرة أو غلبتهم أنفسهم أخرى، وإن العدد سبيل إلى النهوض، وأمانُ من اليأس والقنوط: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} (٢).

لقد كان أهل السنة والجماعة قديمًا وحديثًا أعدل الناس، يترحمون على المجتهد المصيب، وينكرون على المبتدع الضال، وينصفون المجتهد المخطئ، فلا يتركون الأخذ عن عالمٍ أخطأ في مسألة، وله من الحسنات ما يكفر عن هذه السيئة، ولا ينسفون جهوده كلها بسبب زلة وقعت له، وما أروع ما سطره الإمام الذهبي في عدد من تراجمه لسير أعلام النبلاء، وإليك بعضًا منها:

يقول عن قتادة بن دعامة السدوسي (المفسر): ( ... كان يرى القدر نسأل الله العفو، ومع هذا فما توقف أحد في صدقه وعدالته وحفظه، ولعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه، وبذل وسعه، والله حكمٌ عدلٌ، لطيفٌ بعباده، ولا يسأل عما يفعل، ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعلم تحريه للحق، واتسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه وورعه واتباعه يغفر له زلله، ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك) (٣).


(١) سورة المائدة، الآية: ٨.
(٢) سورة الزمر، الآية: ٥٣.
(٣) سير أعلام النبلاء ٥/ ٢٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>