للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تمكين ذي القرنين .. الحديث والعبرة (١)

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ..

أيها الإخوة المسلمون، وحيث سبق الحديث عن التوكل وآثاره، وعن صنف من غير المتوكلين وسلوكياتهم، فقد آن الأوان لعوض نموذج للمتوكلين على الله، وأولئك الذين فهموا حقيقة التوكل على الله، وما عطلوا الأخذ بالأسباب المأذون بها شرعًا، فأورثهم ذلك استقامة على الهدى وتمكينًا في الأرض، ورضى الخالق، ومحبة الخلق، دون عُلُوٍ واستكبار، ودون ضعفٍ ومسكنةٍ واستجداء الآخرين، أو تعلق وركون إلى الكافرين.

تلك، وربي، هي حقيقة التمكين التي تستحق الإشارة والذكر، وسواها من أنواع الغلبة والرئاسة، لا تعدو أن تكن تسلطًا على رقاب الناس، وتحكمًا في مصالح الخلق ومعاشهم، وحجرًا أبلهًا على أفكارهم ومعتقداتهم، لا تلبث أن تزول لأنها لا تملك مقومات الثبات، ولا تستخدم أسلوب الإقناع، أو تسمع للدليل، بل تقيس الأمور بمقياس السادة والعبيد!

هذا التمكين في الأرض مطلبٌ يبحث عنه السادة والزعماء، ويظل يلهثُ في بيداء سرابه المغرمون بالكراسي، فتنقطع أنفاس الكثيرين منهم دون أن يحققوه، لأنه منحةٌ إلهية ذات مواصفات وشروط معينة لا يهبها الله إلا من شاء من خلقه.

وغاية ما يمكن أن يحققه الكثير منهم رغد العيش له ولمن حوله، والاستمتاع بشهوات الدنيا فترة من الزمن، وربما فاجأته الأقدار فتكدّر صفو العيش، وتحولت المسرات إلى أحزان، واقتيد الملوك الأباطرة، وأصبحوا في عداد


(١) في ٢٨/ ٢/ ١٤١٥ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>