للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففي التوكل على الله قطع لدابر وساوس الشيطان الذي لا يفتأ يخوف الإنسان عن مخاطر المستقبل الذي سيصير إليه، ويرجف به في طلب المعاش خشية الفقر والعيلة، وما يزال يلقي الأوهام عليه في صحته حتى يمرضه وإن كان سليمًا معافى، ويحاول جاهدًا قطع حبله بالله فيصله بمخلوقين لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا فكيف يرتجى منهم تقديم النفع لغيرهم، أو جلب الفقر لسواهم.

أيها المسلمون لا يعني التوكل على الله عدم الأخذ بالأسباب المأمور بها شرعًا، فذلك نوع من التواكل لم يقره الإسلام، وأنتم تعلمون قصة الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له أعقل دابتي أم أتكل على الله؟ فأجابه عليه الصلاة والسلام «اعقلها وتوكل» (١).

وحين كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون: نحن الموكلون، أنزل الله لهم ولغيرهم {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} (٢).

قال العارفون: التوكل بدون القيام بالأسباب المأمور بها عجز محض، وإن كان مشوبًا بنوع من التوكل، فلا ينبغي للعبد أن يجعل توكله عجزًا، ولا عجزه توكلاً، بل يجعل توكله من جملة الأسباب التي لا يتم المقصود إلا بها كلها- كما ذكر ذلك ابن القيم وغيره (٣).

إخوة الإسلام، قال بعض السلف جعل الله لكل عمل جزاء من نفسه، وجعل جزاء التوكل عليه نفس كفايته فقال {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} فلم يقل له


(١) حديث حسن رواه الترمذي، صحيح الجامع ١/ ٣٥٢.
(٢) سورة البقرة، الآية: ١٩٧، تفسير ابن كثير ١/ ٣٤٨.
(٣) فتح المجيد/ ٤١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>