للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا أثبت الله للكفرة العلم في أمور الحياة الدنيا، لكن أخبر أنهم عن الآخرة جهلةٌ غافلون: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} (١). يقول أبو العالية: سألت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ} (٢). فقالوا: كل من عصى الله فهو جاهل، ومن تاب قُبَيل الموت فقد تاب من قريب (٣) ..

وقال قتادة: أجمع أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنّ كلّ من عصى ربه فهو في جهالة عمدًا كان أو لم يكن، وكل من عصى الله فهو جاهل، وكذلك قال التابعون ومن بعدهم (٤).

وإذا كان هذا حال الجهل، فإن حال العلم والعلماء خلاف ذلك، فليس العلم الحقّ حفظ النصوص، ومعرفة المتون فحسب، وليس العالم الرباني هو الذي يستظهر العلوم دون عملٍ بها، بل العلم الحقيقي يكمن في خشية الله والعمل بما علم، قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (٥).

ولهذا قال رجلٌ للشعبي: أيها العالم، فقال: إنما العالم من يخشى الله، وقال ابن مسعود، رضي الله عنه: كفى بخشية الله علمًا، وكفى بالاغترار جهلاً (٦).

ومن رحمة الله بعباده، وفضله على بني آدم عامة، أنه تفضل عليهم بأمرين، هما أصل السعادة، فلم يُعَنِّهِمْ في أمر الهداية، ولم يكلفهم ما لا يطيقون:


(١) سورة الروم، الآية: ٧.
(٢) سورة النساء، الآية: ١٧.
(٣) الحسنة والسيئة لابن تيمية/ ٧٣.
(٤) المصدر نفسه/ ٧٣.
(٥) سورة فاطر، الآية: ٢٨.
(٦) الحسنة والسيئة/ ٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>