للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إخوة الإيمان، وإذا كانت الحاجة تدعو الحلم والأناة في كل حال في هذه الحياة الدنيا، فهي في زمن الشدائد والفتن أحرى وأولى، ففيها تطيش العقول، وتضطرب القلوب، وتختل المواقف، ولا يسعف المرء إلا التثبت والأناة والحلم والرفق في المدلهمات، لكن ذلك محتاج إلى صبرٍ ومصابرة، وتغليب حظوظ الآخرة على الدنيا، ويضرب ابن عمر رضي الله عنهما أروع الأمثلة في هدوئه وأناته ورفقه وحلمه في الفتنة ويقول: (دخلت على حفصة، ونَسْواتها تنطفُ- أي ذوائبها تقطر- قلت: قد كان من أمر الناس ما ترين، فلم يُجعل لي من الأمر شيءٌ، قالت: الحق فإنهم ينتظرونك، وأخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة، فلم تدعه حتى ذهب، فلما تفرق الناس خطب معاوية قال: من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فلُيطلع لنا قرنه، فنحن أحق به ومن أبيه، قال حبيب بن مسلم لابن عمر فهلا أجبته؟ قال عبد الله، فحللت حبوتي، وهممت أن أقول: أحقُّ بهذا الأمر من قاتلك وأباك على الإسلام، فخشيت أن أقول كلمةً تفرق بين الجمع وتسفك الدم ويحمل عني غير ذلك، فذكرت ما أعد الله في الجنان، قال حبيب: (حفظت وعصمت) (١).

وسواء وقعت هذه الحادثة حين تفرق الحكمان فيه (صفين) فلم يتفقوا عل أمير المؤمنين، أم كانت في زمن معاوية حين أراد أن يجعل ولاية العهد لابنه (يزيد) فهي تصور (أناة) ابن عمر ورغبته في تسكين الأمور وعدم إثارة الفتن بين المسلمين، والحرص على جمع الكلمة، وهو ما وافقه عليه الصحابي حبيبُ ابن مسلمة حين قال حُفِظْت وعُصِمت) (٢).


(١) الحديث أخرجه البخاري وغيره (أنظر الفتح ٧/ ٤٠٣).
(٢) الحديث أخرجه البخاري وغيره، انظر: الفتح ٧/ ٤٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>