للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (١).

ومحمد صلى الله عليه وسلم، لأناته، وتقديره، لم يتعجل في تغيير بناء الكعبة، وهو القائل لعائشة رضي الله عنها: «لولا حدثانُ قومك بكفر لهدمت الكعبة ولبنيتها على قواعد إبراهيم ولجعلت لها بابين» (٢).

والبخاري رحمه الله بوَّب على هذا الحديث بابًا عظيمًا فقال: (باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر الناس عن فهمه فيقعوا في أشد منه).

معاشر المسلمين، وهل علمتم أن الحلم والأناة سبب للحفظ والبقاء حتى وإن كان المحفوظ فاسقًا أو كافرًا؟ تأملوا في هذا الحديث الذي رواه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه، وقد جاء فيه أن المستورد القرشي رضي الله عنه قال- وعنده عمرو بن العاص رضي الله عنه- (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقوم الساعة والروم أكثر الناس! قال له عمرو: أبصِر ما تقول، قال المستورد: ومالي أن لا أقول ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمرو: إن كان كذلك فلأن في الروم خصالاً أربعًا، وعدّ منها: أنهم أحلمُ الناس عند الفتنة، وأنهم أسرع الناس إفاقةً بعد مصيبة ... وعدّ بقية الخصال الأربع، قال أهل العلم: هذا كلام من عمرو بن العاص رضي الله عنه، لا يريد أن يثني على الروم والنصارى الكفرة .. كلا، ولكن ليبين للمسلمين أن بقاء الروم وكونهم أكثر الناس علما أن تقوم الساعة، لأنهم عند وقوع الفتن أحلم الناس فهم لا يكملون ولا يعجلون ولا يغضبون، فَيقُوا أنفسهم ويقُوا أصحابهم القتل (٣).


(١) سورة التوبة، الآية: ١٢٨.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه.
(٣) الضوابط الشرعية .... آل الشيخ/ ١٧، ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>