للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجل، لقد بدأ صلاح الدين بالإصلاحات الداخلية، فقضى على النَّخَل الباطلة، ومحا من الوجود الدول المشبوهة، فعلى يديه كان سقوط دولة العبيدين، ووحد الكلمة، وقرب العلماء، حتى قال الذهبي- يرحمه الله- إن مجلسه كان حافلاً بأهل العلم يتذاكرون وهو يحسن الاستماع والمشاركة ومن جانب آخر كان عالي الهمة، حتى قيل: كانت له همة في الجهاد وإبادة الأضداد ما سمع بمثلها لأحد في دهر، وكان في نفسه صالحًا محبًا للخير، ولاسيما بعد ولايته لأمور المسلمين، فقد طلَّق الشهوات، وكان كثير البر والصدقات، ومقيلاً للعثرات، تقيًّا نقيًّا، وفيًّا صفيًّا ما رؤي صلى إلا في جماعة، هكذا قال العلماء في وصفه (١).

ولاشك أنه الإمام يقتدي به من خلفه، والراعي تسير خلفه رعيته، والناس- كما قيل- على دين ملوكهم. فإذا كانت هذه سيرة الراعي فلا تسأل عن سيرة الرعية، وكأن صلاح الدين ساءته أحوال المسلمين، فأراد تربيتهم بالقدوة والعمل، وأراد شحذ هممهم في زوايا المساجد، وساحات الجهاد .. فاستجابت الأمة لندائه، ولبَّت الرعية دعوته، وكانت وقعة (حطين) الشهيرة، والتي كانت أمارةً متقدمةً وإشارةً لفتح بيت المقدس، وانتصر فيها المسلمون نصرًا مؤزرًا بعد طول جهاد وصبر ومنازلة، وكان صلاح الدين في مقدمة الصفوف، يحث الجيش ويحمل بهم، ويكبِّر أمامهم، حتى منح الله المسلمين أكتاف الأعداء، فقُتل منهم ثلاثون ألفًا في ذلك اليوم، وأُسر ثلاثون ألفًا من شجعانهم وفرسانهم، ولم يُسمع بمثل هذا اليوم في عز الإسلام وأهله، ودفع الباطل وأهله، حتى ذُكر أن بعض الفلاحين رُؤيَ يقود نيفًا وثلاثين أسيرًا من


(١) سير أعلام النبلاء ٢١/ ٢٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>