للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومطاردة الكافرين، وتبييتهم النوايا السيئة لقتل النبي، صلى الله عليه وسلم، تكشفت لنا أيضًا طبيعة الطغاة والمجرمين، الذين يسوؤهم انتشار الدين، ويقلق مضاجعهم غلبة المسلمين، وكثرة سوادهم فيحاولون- كما حاول أسلافهم- إطفاء نور الله بأفواههم، ويأتي الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون، ونحن نثق بنصر الله، ونؤمن إيمانًا جازمًا أن خطط المجرمين في الماضي كما انحسرت وتلاشت فسوف تنحسر وتتلاشى خطط اللاحقين، وسوف ينصر الله دينه، ويمكن لأوليائه المتقين، كما يكشف لنا هذا التبييت لحزب الله المؤمنين عبر القرون عن طبيعة الغل والحقد في قلوب الجرمين، وهم يحاولون قتل الدعاة أو نفيهم من الأرض، أو التضييق عليهم في معاشهم ومسكنهم، وهو تشابه يوحي بتشابه العقول حين تشذ في أسلوب التعامل مع الأحداث والأشخاص، فما كان الرسول، صلى الله عليه وسلم، يومًا من الدهر سببًا في عنت قريش، بل نالهم من بركاته ما كان سببًا في حل مشكلاتهم قبل بعثته، وبعد بعثته ما كان، صلى الله عليه وسلم، سببًا وليس الدعاة والمصلحون من بعده سببًا من أسباب تخلُّف الأمة في سياستها واقتصادها ووعيها حتى يستحقوا المطاردة والأذى، وكما لم تحصل قريش من وراء إخراج الرسول، صلى الله عليه وسلم، والمؤمنين إلا الخزي والذل والعار، وهم أهل البيت وسدنته والمقدَّمون على العرب شرفًا ونسبًا، في الوقت الذي بدأ تاريخ المدينة يُكتب، وبدأ ذكر الأنصار يشتهر حين استقبلت الرسول وصحبه، واحتضنت الدعوة والدعاة معه.

فلن يحصل لمن آذى الدعاة الصادقين، وضيق على الدعوة والمحتسبين إلا كما حصل لأسلافهم، وأحداث التاريخ دائمًا تقول: إن العاقبة للمتقين، وأن النصر مع الصبر، وأن الغلبة للحق وأهله ولو بعد حين، ومصيبتنا حين لا نقرأ التاريخ، أو لا نستفيد من دروس الغابرين.

<<  <  ج: ص:  >  >>