للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلما وصل إليه أطمعه فى الرئاسة والخلافة، وضمن له الوفاء بما بذله حسان بن المفرج من الطاعة له. فشكى أبو الفتوح إلى أبى القاسم قلّ ما بيده من المال، فأشار عليه الوزير أبو القاسم بأخذ ما فى خزانة الكعبة من المال، وما عليها من أطواق الذهب والفضة، وضربه دراهم ودنانير، ففعل ذلك، وهى الدراهم التى يقال لها الفتحيّة، ثم سار أبو الفتوح وأبو القاسم قاصدين آل الجراح، ومعه نحو ألف فارس من بنى حسن، ونحو ألف عبد من قواده.

فلما قرب الرملة، تلقاه حسان وأبوه المفرج وسائر وجوه العرب، وقبلوا الأرض بين يديه، ونزل فى دارهم، وخطب على منبر الرملة الخطيب ابن نباتة، ولما بلغ ذلك الحاكم، اشتد عليه وقلق. وعلم أن أبا الفتوح أهلا لما أهّل له من الخلافة، فعدل عن الحرب إلى الخدعة، وعلم أن آل الجراح بينهم اختلاف فى الرئاسة والرعاية، فأرسل إليهم الأموال إلى الصغير والكبير والعظيم والحقير، وبعث إلى حسان ابن المفرج بخمسين ألف دينار، وكتب إليه يغالطه فى أمر يارختكين ويسهّله. فأصبح أبو الفتوح، وقد عرف تغير نياتهم. فقال للوزير أبى القاسم: أغويتنى وأخرجتنى إلى هؤلاء القوم الغدارين، وأخرجتنى من بلدى ونعمتى وإمارتى، وجعلتنى فى أيدى هؤلاء ينفقون سوقهم بى عند الحاكم، ويبيعونى بيعا بالدراهم، فيجب عليك أن تخلصنى كما أوقعتنى، وتسهل سبيلى بالعودة إلى الحجاز، فإنى راض من الغنيمة بالإياب، ومتى لم تفعل، اضطررت إلى أن أركب فرسى، وأركب التغرير فى طلب النجاة، فشجعه وثبته، وأخذ يفكر فى خلاصه، وطال الأمر على أبى الفتوح، فركب دابته إلى المفرج والد حسان سرّا، وقال له: إنى فارقت نعمتى وكاشفت الحاكم، وذلك لركونى إلى ذمامكم، وسكونى إلى مقامكم، ولى فى عنقك مواثيق، وأنت أحق من وفّى، لمكانك من قومك ورئاستهم، وإن خير ما ورّثه الإنسان ولده، ما يكون له به الحمد والشكر وحسن الذكر، وأرى حسانا ولدك قد أصلح نفسه مع الحاكم، وأتبعه أكثر أصحابه، وأنا خائف من غدره بى، وما أريد إلا العود إلى الوطن، فوعده المفرج بالسلامة، وركب معه وسيره إلى وادى القرى (١)، فتلقاه أصحابه.

[ ... ] (٢).


٩٨٣ ـ (١) وادى القرى: واد بين الشام والمدينة وهو بين تيماء وخيبر. انظر: معجم البلدان (القرى).
(٢) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>