للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وذكر صاحب الدول المنقطعة هذه القضية، وفيها مخالفة لما سبق ذكره مع زيادة فوائد. وقد رأيت أن أذكر كلامه لذلك.

ذكر أن الوزير أبا القاسم بن المغربى بعد قتل الحاكم لأبيه، سار إلى الرملة، واجتمع ببنى الجراح الطائى، ثم سار إلى مكة، واجتمع بأبى الفتوح، وأفسد نيته على الحاكم وحرضه على طلب الخلافة، فأظهر ذلك، وبايعه أهل الحرمين، وفارقه الوزير من مكة وسار إلى الرملة، فاجتمع بمفرج بن دغفل بن الجراح الطائى، وبنيه حسان ومحمود وعلى، وبايعهم لأبى الفتوح. ولما تقرر ذلك، طلع على المنبر يوم الجمعة وخطب الناس، فقال أول ما استفتح به فى تحريض الناس على خلع الحاكم، أن قرأ وهو يشير إليهم: (طسم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ).

ولما فرغ من أخذ البيعة على آل الجراح، عاد إلى مكة وحمل أبو الفتوح على المسير معه إلى الرملة، فسار فيمن معه من الأعراب، فتلقاه مفرج وأولاده، وترجلوا له وقبلوا الأرض، ومشوا فى ركابه. ودخل الرملة وتغلب على أكثر بلاد الشام، فبعث الحاكم إليهم جيوشه، مع مملوك أبيه ياروخ تكين، فحمل الوزير أبو القاسم حسان بن المفرج على أن اعترضه عند فجّ داروم (٣)، وواقعه وأسره ونقله إلى الرملة أسيرا وانتهبه، وسمع غناء جواريه وحظاياه وهو مقيد معه فى مجلسه، وارتكب منه فواحش عظيمة، ثم قتله صبرا بين يديه، وبقى الشام أكلة لبنى الجراح، ولم يمكن الحاكم أخذهم إلا بالملاطفة، فسير إلى حسان يلاطفه بما يبذله على أن يخذل أبا الفتوح، وترددت الرسل حتى تقرر أنه يدفع إليه خمسين ألف دينار عينا، ولكل واحد من إخوته كذلك، سوى هدايا وثيابا وحظايا، تهدى إليه وإلى إخوته، وسير جميع ذلك إليهم، فمالوا عن أبى الفتوح، ودخلوا فى طاعة الحاكم، ولما أحس أبو الفتوح بذلك، ركب بنفسه إلى الوزير أبى القاسم، وقال له: أنت أوقعتنى فخلصنى، فركب معه إلى مفرج وأخبراه بخبر أولاده، فقال لهما: وما تريدان منى؟ قال له العلوى، وهو أبو الفتوح: إن لى عليك حقا، وأريد أن تجاوبنى


(٣) الداروم: نزل بنو حام الجنوب والدبور ويقال لتلك الناحية الداروم. وهى أيضا قلعة بعد غزة للقاصد إلى مصر. انظر: معجم البلدان (الداروم).

<<  <  ج: ص:  >  >>