للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وتلك شكاة ظاهر عنك عارها (١)

وجعل أهل الشام على أبواب المسجد رجالا من أهل كل بلد، فكان لأهل حمص الباب الذى يواجه باب الكعبة، ولأهل دمشق باب بنى شيبة، ولأهل الأردن باب الصفا، ولأهل فلسطين باب بنى جمح، ولأهل قنسرين باب بنى سهم.

وكان الحجاج بناحية الأبطح إلى المروة، فمرة يحمل ابن الزبير فى هذه الناحية ومرة فى هذه الناحية؛ فكأنه أسد فى أجمة ما تقدم عليه الرجال، يعدو فى إثر القوم حتى يخرجهم، ثم يصيح: أبا صفوان ويل أمه فتحا، لو كان له رجال، أو كان قرنى واحد كفيته، فيقول أبو صفوان عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف: إى والله، وألف.

فلما رأى الحجاج أن الناس لا يقدمون على ابن الزبير، غضب وترجل وأقبل يسوق الناس وصمد بهم، صمد صاحب علم ابن الزبير وهو بين يديه. فتقدم ابن الزبير على صاحب علمه، وضاربهم فانكشفوا، وعرج وصلى ركعتين عند المقام فحملوا على صاحب علمه فقتلوه على باب بنى شيبة، وصار العلم بأيدى أصحاب الحجاج، ثم حمل على أهل الشام، حتى بلغ الحجون، فرمى بآخرة، رماه رجل من السكون، فأصابته فى وجهه، فأرعش لها ودمى وجهه، فلما وجد الدم على وجهه قال:

فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أقدامنا يقطر الدم (٢)

وقاتلهم قتالا شديدا، فتعاونوا عليه، فقتلوه، وتولى قتله رجل من مراد، وحمل رأسه إلى الحجاج، فسجد، وسار الحجاج وطارق حتى وقفا عليه، فقال طارق: ما ولدت النساء أذكر من هذا! فقال الحجاج: أتمدح من يخالف أمير المؤمنين؟ قال: نعم، هو أعذر لنا، ولولا هذا لما كان عذر، إنا محاصروه منذ سبعة أشهر، وهو فى غير جند ولا حصن ولا منعة، وينتصف منا، بل يتفضل علينا، فبلغ كلامهما عبد الملك، فصوب طارقا، وبعث الحجاج برأسى ابن الزبير وعبد الله بن صفوان إلى عبد الملك، وأخذ جثة ابن الزبير فصلبها منكسة على الثنية اليمنى بالحجون، ومنع من تكفينه ودفنه، ووكل بالخشبة من يحرسها.

ولما صلب ابن الزبير، ظهر منه ريح المسك، فصلب معه كلبا منتنا، فغلب على ريح


(١) انظر البيت فى: (ابن الأثير ٤/ ٣٥٤).
(٢) فى الكامل لابن الأثير ٤/ ٣٥٦:
ولكن على أقدامنا تقطر الدما

<<  <  ج: ص:  >  >>