للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وإذا ما عثرت فى مرطها ... عثرت باسمى وقالت يا عمر

قلت: أنا قائل ذاك، فدك أبى وأمى، قالت: فمن هذه الكبرى والوسطى والصغرى؟ قلت: أطال الله بقاك، قد تقدم عذرى عن هذا أمس، وإنى لم أقل ذلك فى جارية بعينها، ولا كان منى عن قصد ولا عمد، قالت: يا فضّاح الحرائر، يا كذابا على النساء، ما حملك على أن تقول على النساء ما لم يكن حقا، حتى شاع فى أقطار الأرض، وظن الناس أنه حق فى امرأة بعينها! يا وصائف، عزّرن هذا الفاسق على كذبه على الحرائر.

وضربننى على وجهى ورأسى ضربات شديدة، ثم شددن العصابة على عينى، ودفعننى إلى العجوز، فقادتنى إلى مضربى، ثم قالت: لا تيأسنّ، فبتّ ليلتى قلقا مفكرا، لم أذق مناما، حتى برق الصبح، فلما طلعت الشمس، دخل علىّ الحاجب وأعلمنى بمكان العجوز، فقلت: اشغلها عنى ساعة، إلى أن يخرج إليك رسولى، ثم أمرت جارية أن تضرب لى فى باطية خلوقا، ففعلت، فغمست يدى فيه إلى معصمى، ثم أسدلت إزارى، وأمرت بإدخال العجوز، فدخلت فسألتنى عن حالى، ثم قالت: هل لك أن تراها ثالثة؟ قلت: نعم. فداك أبى وأمى، قالت: أنت ناظر إليها على الشرط؟ قلت: نعم. فأخرجت المصحف واستحلفتنى، ثم عصبت عينىّ، وقادتنى إلى الموضع، فلما حسّيت بباب المضرب، أخرجت يدى فمسحتها ببابه، وجعلت أمسك الطّنب بكفّى، ثم ناولتنى الوصائف، فأخذتنى منها وصيفة، وأدخلتنى الموضع، وفتحت عينىّ، فإذا أنا بمضرب من الديباج الأبيض، منقوش بالذهب، مفروش بالحرير، فجلست على السرير، فإذا هى قد طلعت، فلما نظرت إليها، سقطت على وجهى مغشيا علىّ، فلما أفقت، تناولت كفّى وجعلت تغمره، وقالت: كيف حالك يا أبا الخطاب؟ قلت: سوء حال، والنظر يغنى عن الشكوى، فتبسمت، فما رأيت شيئا أحسن من ثغرها، ثم جعلت تسائلنى عن أخبار أهل الحجاز، وأيام العرب، وأخبار أهل العشق، حتى انتصف النهار، وأنا والله يخيّل إلىّ كأنى فى بعض قصور الجنة مع حورها، فبينما أنا كذلك فى أسرّ حال، إذا التفتت إلىّ وقالت: يا أبا الخطاب، من الذى يقول [من الكامل] (١١):

سجج الغراب ببين ذات الدّملج ... ليت الغراب ببينها لم يسحج

ما زلت أتبعهم لأسمع حدوهم ... حتى دخلت على ربيبة هودج

قالت وحقّ أبى وحرمة والدى ... لأنبّهنّ أبى إن لم تخرج

فتناولت كفّى لتعلم مسّه ... بمخضّب الأطراف غير مشنّج


(١١) الأغانى الموضع السابق، وديوان عمر ٨٢، ٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>