للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الله تعالى من سلامة المختفى فيه، ثم بعث إلى بعض الأشراف ذوى راجح، وكان له منهم قرابة، فحضر إليه غير واحد منهم، وسألهم فى إعانته، بمركوب له ولمن يسافر معه، فأجابوه لقصده، وأخرجوا له ركائب إلى المعابدة، وحملوا عليها فخّارا وغيره، ليخفى أمرها على من يراها، وخرج عنان من سوق الليل إلى المعابدة، ونزل عند امرأة يعرفها من أهلها، فأخفته بإلباسها له ثياب النساء، وأجلسته معها ومع غيرها، ونمى الخبر إلى كبيش، فأتى إلى المنزل الذى فيه عنان بالمعابدة، وسأل عنه صاحبة المنزل التى أخفته، فنالت بالقول من عنان كثيرا، وأنكرت أن يكون عندها، فصدقها كبيش.

فلما كان الليل، ركب مع رجلين أو ثلاثة، الرواحل التى أعدت لهم، فوقفت بعض ركابهم، قبل وصولهم إلى وادى مرّ، وما وصل هو إلى خليص، إلا وقد كلّت راحلته، فسأل بعض أهل خليص عن راحلة لبعض أصحابه، بلغه أنها بخليص، فأخبر بوجودها، فأخذها؛ ويقال إن صاحبها كان إذا فرغ من علفها، يقول: ليت عنانا يخلص فينجو عليك، فكان ما تمناه، فتوصل عنان إلى ينبع، ثم إلى مصر، فى أثناء سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، فأقبل عليه الملك الظاهر، ووصل إليه فيما بلغنى، كتاب من أحمد بن عجلان، يسأله فى ردّ عنان إليه، فكتب إليه الظاهر يقول: وأما ما ذكرت من جهة عنان، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) [التوبة: ٦] وبعد قليل، بلغ السلطان موت أحمد بن عجلان، وكحل ولده للأشراف المسجونين، فتغير على الولد، لأنه كان يسأل أباه فى إطلاقهم، فأبى وأضمر تولية عنان مكة عوضه، وكتم ذلك على عنان، وخادع محمد بن أحمد بن عجلان، بأن أرسل إليه العهد والخلعة بولاية مكة، وأذن لعنان فى التوجه صحبة الحاج، وأمر أمير الحاج، بقلة مراعاته لعنان فى طريق مكة، فكان لا يلتفت إليه، وربما أهانه لئلا يتشوّش محمد بن أحمد بن عجلان، وتمت عليه هذه الخدعة، لما قضى الله تعالى به من الشهادة، فإنه لما حضر لخدمة المحمل المصرى، على عادة أمراء الحجاز، قتله باطنينان، فى مستهل الحجة، من سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، وبعد قتله، أشعر أمير الحاج الماردينّى عنانا بولايته لإمرة مكة، عوض المذكور، ودخل مع الترك، وعليهم السلاح، حتى انتهوا إلى أجياد، فحاربهم فيه بعض جماعة محمد بن أحمد ثم ولوا، ونودى لعنان فى البلد بالولاية، وألبس الخلعة السلطانية بذلك، فى مستهل الحجة، ثم قرئ توقيعه على قبة زمزم، وكتاب السلطان بولايته، وإلزام بنى حسن من الأشراف والقواد بطاعته، وقام بخدمة الحاج حتى رحلوا، وتوجه بعد سير الحاج بمدة بسيرة، إلى جدة، فقرر أمرها ورتب بها نائبا، محمد بن عجلان، لملايمته له من السجن، وتوحشه

<<  <  ج: ص:  >  >>