للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكان يسارع إلى دعوى اتفاق أهل مذهبه ولدعوى الإجماع، ولا يخلو فى ذلك من نزاع، ولو أعرض عن جميع هذه الأمور، وعن إدخال نفسه فيما بين الناس من الشرور، وعما ينسب إليه من اتباع الهوى فى الفتن؛ لكان الثناء عليه أكثر وأجمل، ولعل لخدمته للعلم يعفى عنه كل زلل.

وقد درس بالحرمين، وأفتى فيهما كثيرا. وكنت أتعرف رأيه فى كثير من مسائل الفقه، لما فى كثير منها من الغموض. وكان يستحسن تقريرى للسؤال عنها، وما أشير إليه من أثناء السؤال من الجواب عنه.

وقد سوغ لى الإفتاء والتدريس فى المذهب، ورواية ما له من مروى ومصنف. وكتب لى خطه بذلك، وصورة ما كتبه:

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم، يقول كاتبه العبد الفقير إلى ربه، محمد بن أحمد الوانوغى: إنه لما منّ الله سبحانه علىّ بالتردد إلى مكة المشرفة حاجا ومعتمرا ومجاورا، وطلبت الاجتماع بعلمائها وفضلائها وصلحائها وحكامها، كان ممن اجتمعت به وذاكرته وباحثته مرارا عديدة فى مسائل كثيرة من مسائل الفقه وغوامضه، وما يتعلق بها.

وتكررت أسئلته عن ذلك كله، وباحثته فيها مرة بعد أخرى، السيد الفقيه الفاضل، الأعدل، الأكمل، الجامع للصفات الكاملة الحسنى، الأصيل، القاضى تقى الدين محمد ابن الشيخ الحسيب، الأصيل شهاب الدين أحمد بن على الفاسى، نفع الله بفوائده وعلومه الجليلة.

وقد ورد علينا بالمدينة المشرفة، وحضر معنا درس الفقه والأصول، وأبدى فيه من فوائده ومباحثه الجليلة ما يليق بعلمه وفضله على طريقة أهل الفنون والمباحثة، فرأيته بذلك كله أهلا للتدريس، والفتوى، والحكم، وإفادة الطالبين مع ما جبل عليه من حسن الفهم، وحسن الإيراد، وسعة التأنى فى البحث والمراجعة فيه، فأوجب ذلك كله الإذن له فى التدريس، والفتوى، وإفادة الطلبة وحثه على الاشتغال بذلك كله، والملازمة له؛ لينتفع به الناس عموما وأهل بلده خصوصا، فإنى لم أر فى فقهاء المالكية بالحجاز كله من يقاربه فى جميع ما ذكر ـ نفع الله به ـ ولا فى اتصافه فى العلم، ولا فى الفهم عن الأئمة ـ زاده الله وإيانا فقها وعلما ـ فليتجرد ـ أعزه الله تعالى ـ لذلك، ويأخذ فيه بالحزم، والعزم لمسيس الحاجة فى ذلك، وافتقار الناس إليه زمانا ومكانا. والله سبحانه يسدده، ويوفقه للخير، والفهم، والجد فى العلم بمنه وكرمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>