للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

القرآن كله شرك، وإنما التوحيد فى كلامنا هذا، يعنى أن القرآن يفرق بين الرب والعبد، وحقيقة التوحيد عندهم: أن الرب هو العبد. فقال له قائل: فأى فرق بين زوجتى وبنتى؟ قال: لا فرق، لكن هؤلاء المحجوبون. قالوا: حرام. فقلنا: حرام عليكم. وهؤلاء إذا قيل مقالتهم: إنها كفر، لم يفهم هذا اللفظ حالها، فإن الكفر جنس تحته أنواع متفاوتة، بل كفر كل كافر جزء من كفرهم، ولهذا قيل لرئيسهم: أنت نصيرى. قال: نصير جزء منى.

ثم قال ابن تيمية: وقد علم المسلمون واليهود والنصارى بالاضطرار من دين المسلمين، أن من قال عن أحد من البشر: إنه جزء من الله، فإنه كافر فى جميع الملل؛ إذ النصارى لم تقل هذا، وإن كان قولهم من أعظم الكفر، لم يقل أحد إن عين المخلوقات هى أجزاء الخالق، ولا إن الخالق هو المخلوق، ولا إن الحق المنزه هو الخلق المشبه، وكذلك قوله: إن المشركين لو تركوا عبادة الأصنام، لجهلوا من الخلق المشبه، وكذلك قوله: إن المشركين لو تركوا عبادة الأصنام، لجهلوا من الحق بقدر ما تركوا منها، هو من الكفر المعلوم بالاضطرار بين جميع الملل، فإن أهل الملل، متفقون على أن الرسل جميعهم نهوا عن عبادة الأصنام، وكفروا من يفعل ذلك، وأن المؤمن لا يكون مؤمنا حتى يتبرأ من عبادة الأصنام، وكل معبود سوى الله. كما قال تعالى (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) [الممتحنة: ٤] واستدل على ذلك بآيات أخر.

ثم قال: فمن قال: إن عباد الأصنام، لو تركوهم لجهلوا من الحق بقدر ما تركوا منها، أكفر من اليهود والنصارى، ومن لم يكفرهم، فهو أكفر من اليهود والنصارى، فإن اليهود والنصارى يكفرون عباد الأصنام، فكيف من يجعل تارك عبادة الأصنام جاهلا من الحق، بقدر ما ترك منها، مع قوله: فإن العالم يعلم من عبد، وفى أى صورة ظهر حين عبد، فإن التفريق والكثرة كالأعضاء فى الصورة المحسوسة، وكالقوة المعنوية فى الصورة الروحانية، فما عبد غير الله فى كل معبود، بل هو أعظم كفرا من كفر عباد الأصنام، فإن أولئك اتخذوهم شفعاء ووسائط، كما قالوا: (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر: ٣].

وقال تعالى: (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ) [الزمر: ٤٣] وكانوا مقرين بأن الله خالق السماوات والأرض، وخالق

<<  <  ج: ص:  >  >>