للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشعاره/٦٤ أ/ يدخل في مجلدين، سافر إلى بلاد خراسان، وتوغل فيها، ورزق حظوة من ملوكها، وأقام بها زمنًا طويلًا، ثم عاد قافلًا إلى بلاد الشام، فنزل دمشق، وسكن مسجدها الجامع، وهو مقيم به، ينتمي إلى التصوف، وطريقة الفقر. لقيته به وسألته عن مولده فقال: لي الآن سبعون سنة، وكان سؤالي له في أوائل شهر ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وستمائة، وأنشدني كثيرًا من شعره، وأجازني جميع رواياته وأشعاره، ومما أنشدني لنفسه وهو مما كتبه بخطه: [من الطويل]

لكلِّ امريء في كلِّ حادثة تطرا ... عليه من الدُّنيا وأحوالها ذكرى

وما المرء في شيء إذا ضاع عمره ... ومن طلب الدُّنيا فقد ضيَّع العمرا

يا ربِّ خذ بيدي ها قد مددت بها ... إليك إنَّك نعم الجار للجار

يا ربِّ قد قلَّ فيما أنت تعلمه ... صبري وقلَّ إلهي فيك أنصاري

تبارك الله لا أهلٌ إلى نار لتحرقني ... أحرق النَّار ما عندي من النَّار

/٦٤ ب/ وأنشدني أيضًا لنفسه: [من البسيط]

لست الحريص على الدُّنيا يجادبها ... كما يجاذب في الدهوَّة الجعل

يا ربِّ رزقًا كرزق الطَّير ألقطه ... لا كالوحوش على الأرزاق تقتتل

وأنشدني الشيخ أبو نصر الله لنفسه: [من الخفيف]

أوضح الخمر في الخلاعة عذي ... مذرآني في حانة الخمر أجري

بين قوم لا يعرفون سوى الرَّا ... ح عروسًا تجلى بطبل وزمر

ورياحين قام فيها رياحيـ ... ـن قدود تاوَّدت كالسُّمر

وندامي غرِّ الوجوه كرام ... ينشدني أطراف أغزال شعري

إسقياني إذا ارتدت ظلمة الليـ ... ـل رداء من النُّجوم الزُّهر

وإذا الجوُّ صفَّقته رياح ... قد تكيَّفن من أفاويح زهر

بنت كرم تغلي الحباب كجمر ... يتلظَّى وما علت فوق جمر

كم أتتنا بكف ظبي غرير ... علَّها إذا أقلَّها خمر سحر

فانتشت من جفون عينيه سكرًا ... غير عهدي وعهدها من سكر

<<  <  ج: ص:  >  >>