للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وراءها. وكذا "المغافر والمغافير: صمغ شبيه بالناطف ينضحه العُرْفط "رائحته تشبه طبقة تغطى.

ومن معنوي ذلك "غفران اللَّه الذنوب: تغطيتها وسترها: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ}. وقد ذكرتُ أن السَتْر هنا للحماية. وقد سبق بذلك الراغب فقال إن "الغَفْر: إلباس الشيء ما يصونه عن الدنَس "وأختلف معه في أن المطلوب في {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} [الجاثية: ١٤] هو التجافي عن (الذنب) في الظاهر وإن لم يتجاف عنه في الباطن "وإنما أدب الإسلام هنا هو أن نغفر لهم طاعة للَّه تعالى، دون أن نلقي إليهم بالمودة. وأما قول أبي هلال إن المغفرة تستوجب الثواب [العلمية ٢٦٤ - ٢٦٥] فلا حجة له إلا أن المغفرة تُسقِط ما يحول دون الثواب. فتكون عبارته غير محررة.

وكل ما جاء في القرآن من التركيب هو من مغفرة الذنوب هذه {قَالُوا يَاأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} [يوسف: ٩٧] (أي سل اللَّه أن يغفر لنا ذنوبنا)، فبقي المفعول الثاني وحده.

أما قولهم: "غفر الجرح (كجلس وتعب): نُكِس، فإني أرجح أن المقصود أنه عاد يندى ويرشح منه الصديد سواء جف فوقه مكونًا طبقة أو لم يجف. لكنه إذا جف وكون طبقة يمكن أن يعد ذلك بُرْءًا. ومن هنا يستعمل غفر بمعنى برئ [تاج] ومن نُكْس الجُرْح عُمِّمَ في نُكْس المرض.

وقولهم: "غَفَر الجَلَبُ السوقَ: رَخّصها "فهو عندي من الاستعمال في لازم المعنى فإن الجَلَب -بالتحريك: ما يُجْلَب للبيع، فإذا كثُر الجَلَب غَطَّى السوقَ أي عَمّها، ورَخُص السعر.

<<  <  ج: ص:  >  >>