للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[البقرة: ٢٥٨] أي انكسر شموخه، وذابت عِزّته، أمام هذا التحدي القاهر.

ومن انكسار الحدّة وانقطاع الحيلة والتصرف دَهَشًا وخَرَقًا: {بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا} [الأنبياء: ٤٠]. وهذا يذكّر بقوله تعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى ...} [الحج: ٢] أي أن هذا من المعنى الأصلي مباشرة. والعامة تقول: بَهِتَ الثوبُ، يعنون ذهاب حدّةِ لونه. وهو استعمال مادي صحيح دقيق، لكن لم أجده في [ل، تاج].

ومن هذا "البُهْتان: الافتراء الباطل الذي يُتَحَير من بطلانه "فهو الادعاء الذي يسبب ذلك الأثر، لزيادة القِحَة والفُحش فيه - مع كونه باطلًا لخلوه من الحقيقة، ومنه: {وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} [النساء: ١٥٦]، {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: ١٦] في رَمْي اليهود والآفكين السيدتين مريم وعائشة الصديقة رضىِ الله عنهما. وفي قوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا ...} [النساء: ٢٠] قال [طب ٨/ ١٢٤]: فلا تَضُرُّوا بهن إذا أردتم طلاقهن ليفتدين منكم بما آتيتموهن - بهتانًا أي ظلمًا بغير حق. فهذه الحالة تجمع سلب حق البُضْع، وكسر الأنفة بالاستبعاد بعد الميثاق الغليظ. وذلك البهتان واضح أيضًا في التصرف الذي تحكيه الآية: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا} [النساء: ١١٢]، فهذا فيه إثم ارتكاب الخطيئة وجُرْم رمى البريء مع العلم ببراءته {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا

<<  <  ج: ص:  >  >>