للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأديم بالقياس والتقدير ليكون قِرْبة ... وحفر الأرض لكون بئرًا يخرج الماء، وتجمُّع السحاب تهيؤًا للمطر، وتسوية السهم ليَتَّخِذ تمام هيئته الصالحة لقوة انطلاقه ونفاذه، والغار الأعلى للفم مجوّف مع ملاسة ليسع اللقمة ويسمح بتقليب اللسان، وكالصخور المذكورة مُسَوَّاة ومُهَيأةٌ لقيام النازع والماتح عليها.

ومن هذا "خَلْقُ الله الخَلْق ": تهيئته مادة ما لتكون كائنًا سويًا بشرًا أو حيوانًا أو نباتًا أو نهرًا ... {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالمِينَ} [الأعراف: ٥٤]، (والعامة تقول عن السِقط إنه تخَلّق إذا كانت صورة أعضائه -الرأس والوجه بما فيه واليدين والرجلين- قد تحدَّدَت ووَضَحت، وإلا قالوا إنه لم يتخلق). والله عَزَّ وَجَلَّ يقول {ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ} [الحج: ٥]. وقالوا "رَجُل خَالق أي صَانِع (يركِّبُ ويهيِّئ الأشياء على هيئاتها). وفي المعاني ذات المراحل يمكن أن يستعمل لفظ الخلق في كل مرحلة تُهيّئ لما بعدها كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المومنون: ١٢ - ١٤] فكل طَوْر خلق كما ترى. ومن هذا الخَلْق بمستوياته كل ما في القرآن من تركيب (خلق) عدا ما يأتي.

وقالوا "فلان خليق بكذا، وله: جدير به " (كأنه مهيأ وأهل له).

و"الخُلق -بالضم وكعنق: الدِينُ والطبعُ والسَجِيَّةُ "- من هذا. كأنه الهيئة التي سُوِّىَ (طُبع) وصُوِّرَ عليها، من حيث إن سلوك الإنسان يضاف إلى صورته في الذهن عنصرًا من مكوناتها {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: ٤].

<<  <  ج: ص:  >  >>