للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحسبان -ولا يخفى أن استعمال العربي للفظ في معنى مُعَيّن هو الحجة- في هذا؛ لأن العربي هو أهل اللغة، وهو هكذا عبَّر بها عما في نفسه. وشأن العرب في هذا شأن أهل كل لغة. وعلماء اللغة القدماء عايشوا العرب، وعرفوا ما يقصدون بكلامهم: مفرداته وعباراته، فرصدوا ذلك في المعاجم. ودراسة علماء اللغة المتأخرين للاستعمالات العربية وتفسيراتها تتيح تحرير معانيها عند الحاجة إلى ذلك.

ثم إن كل لفظٍ مشتقٍّ من تركيب ما فإنه يحمل معنى ذلك التركيب أو فرعًا منه ضرورة؛ لوحدة الأصل التي هي خَصِيصةٌ للغة العربية (١)، ولأن ذاك هو معنى


(١) اللغة العربية تعد من أنقى اللغات التي نعرف أصولها -أعني من أقلها اقتراضًا للكلمات الأجنبية عنها؛ فقد أغنتها قابلها للصوغ المنضبط المتمثلة في كثرة صِيَغِها المحددة (نحو ٤٠٠ صيغة) المرِنة الدلالات، مع اتساع قدرة أهلها على لمح مميزات الأشياء والمعاني، وسبك الألفاظ اتتي تعبِّر عنها اشتقاقًا أو ارتجالًا -ساعدها ذلك على الاستغناء عن الاقتراض من اللغات الأعجمة وما يسمَّى الساميات. فقد ذُكر في مقدمة (المعجم الوسيط) أنه يحتوي على أربعين ألف كلمة. وقد أحصيت الكلمات المعَرَّبة والدخيلة فيه فلم تبلغ ألف كلمة. أي أن نسبتها فيه لا تزيد عن ٢.٥ في المئة. ويؤكد ذلك أن "جامع التعريب "للبشبيشي (ت ٨٢٠ هـ / ١٤١٧ م)، وهو مخطوط حققه د. محمود عبد العزيز عبد الفتاح -تحت إشرافي- بلغت كلماته سبع مئة وألف كلمة. وهو (جامع) كما ترى، ومعرَّباته هذه تقف إزاء كلمات العربية كلها. فالمفروض أن سائِر كلمات العربية نَقِيُّ العروبة. ولا شك؛ أن المعرَّبات زادت بعد هذا (الجامع)، لكنها في ضوء ما ذكرنا عن الوسيط وجامع التعريب لن تصل نسبتها إلى خمسة بالمئة، فتكون نسبة النقاء ٩٥ في المئة على أقل تقدير. وفي مقابل هذا فإن إحصاءً لأحد معاجم الفرنسية بين أن الكلمات الأصيلة فيه لا تصل إلى خمسين في المئة من كلماته. ينظر: من أسرار اللغة د. إبراهيم أنيس (ط ٦) ص ١٢٠. والإنحليزية ليست أحسن حالًا من الفرنسية في هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>