للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألا ترى إلى البحتري كيف كشف عن المعنى، وجاءك بالأمر من فصه فقال:

يوليك صدر اليوم قاصية الغنى ... بمواهب قد كان أمس مواعدا

فبطلان الموعد هو بطلان للشيء الذي الموعد واقع عليه.

ثم أتبع هذا البيت بأن قال:

سوم السحائب ما بدأن بوارقاً ... في عارض إلا انثنين رواعدا

فالعارض: السحاب، وجعل البوارق مثالاً للمواعيد وجعل الرواعد التي هي البوارق على الحقيقة وحالهما واحدة، مثالاً للغيث، الذي هو العطايا فالرواعد ليست بمبطلة للبوارق، بل هي هي، لأن تلك نور يحدثه ازدحام السحاب واصطكاكه، والرعد صوت ذلك الازدحام، فالبرق يرى أولاً، والرعد يسمع ثانياً، وذلك لأن العين أسبق إلى الإبصار من الأذن إلى الاستماع، لأن العين ترى الشيء في موقعه، والأذن لا تسمع الصوت إلا إذا وصل إليها.

وقال البحتري:

والوعد كالورق النضير تأودت ... فيه الغصون ونجحه أن يثمرا

فشبهها بالمواعد التي تحول مواهب، وهذا أحسن ما يكون من التمثيل وأصحه، وأقام الرواعد مقام المواهب، لأنه قد يكون برق لا مطر فيه، ولا يكاد يكون رعد إلا ومعه الغيث، ثم إن التشبيه إنما صح بأن كان الرعد بعد البرق.

<<  <  ج: ص:  >  >>