للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما الذي ينكر من الشاعر أن يغرب ويبدع، ويأتي بما لم يسبق إليه؟، قيل: ليس بمنكر أن يفعل ذلك إذا سلك الطرق المعهودة في ذلك المعنى، وأن يتفرع لها، ولا يخرج عنها، ويأتي فيها بكل ما يسنح له من المبالغة والإغراب، كما قال أبو نواس:

بح صوت المال مما ... منك يشكو ويصح

فلم يقتصر على المعهود في هذا، بأن يقول: قد شكا المال، وكم يشكوك المال، حتى يجعل له صوتاً قد بح من كثرة ما يصيح فعلى هذا الوجه يكون الإغراب والإبداع، ولو قال أبو نواس: قد بح صوت المال مما يصيح، ويلتمس من يأخذه، لقلنا له: قد هجوت ممدوحك -أصلحك الله- أقبح هجاء.

والسليم الصحيح قول البحتري:

أعطيت سائلك المحسد سؤله ... وطلبت بالمعروف غير الطالب

وأظن أبا تمام سمع قول أبي العتاهية:

وإنا إذا ما تركنا النوال ... فلم نبغه فيه يبتدينا

وإن نحن لم نبغ معروفه ... فمعروفه أبداً يبتغينا

وإنما أراد أبو العتاهية: أنه يبتغينا لمعروفه، لا أن المعروف بنفصل عنه، ويشرد في طلبنا والتماسنا، وقد أحسن أبو العتاهية.

<<  <  ج: ص:  >  >>