للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ريحاً بعينها، وسماها باسميها، فقال: شنئت الصبا، وعاديت القبول: أي أبغضت هذين الاسمين؛ لأن حمول الظاعنين توجهت نحوها، ولم يقل إن الحمول توجهن إلى وجهتين مختلفين.

وحكى ابن الأعرابي - أو حكى عنه - أنه قال: القبول كل ريحٍ طيبة المس لينة، لا أذى فيها، سميت قبولا لأن النفس تقبلها، وأظن الأخطل - إن كانت الرواية صحيحة - لهذا قال:

فإن تبخل سدوس بدرهميها ... فإن الريح طيبةٌ قبول

أي: طيبة لا تمنعنا الانصراف والسير، وهذه لبست من الريح التي ذكرها أبو تمام في شيء؛ لأن هذه على هذا الوصف: قد تكون الشمال، وتكون الجنوب، وتكون الصبا، وذلك إنما أراد ريحاً بعينها؛ لأنه قال: " بين الصبا وقبولها " فجعلها مضافة إليها، كما لو قال " بين الشمال وجنوبها " لأنهما ريحان معروفتان، وهما أختان مختلفتان تعتقبان، وكذلك لو قال " بين الصبا ودبورها " وكذلك لو قال " بين القبول ودبورها " أو " بين القبول وشمالها " فإذا ذكرت القبول مع هذه الرياح المعروفة كانت هي الصبا، وليس هذا موضع القبول التي هي الريح اللينة المس الطيبة على ما ذكر؛ لأنه وصف مجهول، ويجوز أن يكون لكل ريح ولا يقع في هذا الموضع؛ لأنك إذا عنيتها بقولك " قد هبت الصبا وقبولها " لم يدر أي ريح هي؛ فما معنى إضافتها إلى الريح المعروفة التي هي إذا لان مسها جاز أن تسمى بذلك الاسم؟ خذا خلفٌ من القول إذا قيل.

وأيضاً إن أبا تمام إنما أراد أن هذه الرياح عفت هذه الديار، وذهبت بها؛ فما وجه ذكره لريح طيبة لينة المس مع الدبور؟ هذا محال أن يكون أراده، كيف والديار يدعى لها بهبوب الرياح اللينة الضعيفة لئلا تعفوها؟ ألا ترى قول أبي تمام:

أرسى بناديك الندى وتنفست ... نفسا بعقوتك الرياح ضعيفا

<<  <  ج: ص:  >  >>