للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ما جاء عنهما في ترك البكاء على الديار والنهي عنه]

قال أبو تمام:

إن كان مسعود سقى أطلالهم ... سبل الشئون فلست من مسعود (١)

ظعنوا فكان بكاي حولاً بعدهم ... ثم ارعويت، وذاك حكم لبيد

أجدر بجمرة لوعة إطفاؤها ... بالدمع إن تزداد طول وقود

قوله: إن كان مسعود، يعني مسعوداً أخا ذي الرمة، ولا يعرف له بيت واحد بكى فيه على الديار، وهذا من معاني أبي تمام الغامضة التي يسأل عنها.

وما زلت أرى الناس قديماً يخبطون فيه، وإنما ذكر مسعوداً: لأنه كان ينهى ذا الرمة عن البكاء على الديار، وذلك قول ذي الرمة:

عشية مسعود يقول وقد جرى ... على لحيتي من واكف الدمع قاطر (٢)

أفي الدار تبكي إذ بكيت صبابة ... وأنت امرؤ قد حلمتك المعاشر

فأراد أبو تمام إن كان مسعود الذي أنكر على ذي الرمة البكاء ونهاه عنه، قد رأى أن البكاء أحسن بعد أن كان عنده غير حسن، فلست منه، وذلك كقول القائل: إن كان حاتم قد شح فلست منه، أي إن كان بعد كرمه وجوده قد رأى أن البخل حسن، فلست مقتدياً به.

وكأن هذا عند أبي تمام أبلغ من أن يقول: إن كان غيلان سقى أطلالهم -يعني ذا الرمة- فلست منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>