للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له كان يقويه، ويزيد فيه، ألا ترى أنك تقول: قد ذبحني الشوق إليك.

فالشوق عدو المشتاق وحربه، والدمع سلمه؛ لتخفيفه عنه، وهو حرب للشوق، وليس بهذا الخطأ خفاء على أحد، وقد ذكرته في أغاليطه (١).

وأحسن منه قول البحتري:

إن الدموع هي الصبابة فاطرح ... بعض الصبابة تسترح بهمولها (٢)

لأن الصبابة -وهي رقة الشوق- تنحل مع الدمع، وتمضي بمضيه، فلذلك جعل الدموع هي الصبابة على السعة، وإنما هي عدو الصبابة كالنار التي هي عدو لما تحرقه، وهي مع ذلك تنفد بنفاده، وتمضي بمضيه، وكالريح إذا بددت الغيم ومحقته، فإنها تذهب بذهابه، وقد قال الشاعر:

أشجاك من ليلتك الطول ... فالدمع من عينيك مهمول؟

وهو إذا أنت تأملته ... حزن على الخدين محلول (٣)

لما كان الحزن ينحل ويسيل بسيلان الدمع، جعله حزناً، ولو جعله ناصراً للحزن، أو جعل البحتري الدموع ناصرة للصبابة لكانا جميعاً مخطئين؛ لأن الناصر للشيء لا يمحق الشيء، ولا يفنيه ويذهب به.

ولكن البحتري اتبع أبا تمام في خطته بقوله:

نصرت لها الشوق اللجوج بأدمع ... تلاحقن في أعقاب وصل تصرما (٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>