للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قال مرة النهدي:

أأن سجعت في بطن واد حمامة ... تجاوب أخرى ماء عينيك غاسق (١)

كأنك لم تسمع بكاء حمامة ... بليل ولم يحزنك إلف مفارق

ولم تر مشغوفاً بشيء تحبه ... سواك ولم يعشق كعشقك عاشق (٢)

فقال: «أأن سجعت» يوبخ نفسه على البكاء لبكاء حمامة، ولم يذهب في ذلك إلى تخسيس أمرها، بل إلى ما قد دل عليه [قوله] (٣): «كأنك لم تسمع بكاء حمامة»، أي قد حزنت لذلك (٤) كثيراً، وبليت للحزن على مفارقة الإلف دائماً، ورأيت من حاله كحالك أبداً، فينبغي أن تقصر.

فكذلك هؤلاء الشعراء في الأبيات المتقدمة جائز أن لا يكونوا هونوا أمر الحمامة، إن كانوا اعتمدوه، على أنه هين عندهم وعلى (٥) الحقيقة إنما ذهبوا في ذلك إلى أن يردعوا نفوسهم عن البكاء، فغير منكر ممن أراد أن يردع نفسه عن شيء أن يهون السبب الجالب لذلك (٦) الشيء ويحقره، وإن كان عظيماً.

غير أن أبا تمام أوقع التوبيخ على نفسه كما فعلوا، وذهبوا إلى تهوين أمر الحمامة، وذهب هو إلى تعظيمه في قوله: «فإنهن حمام»، فقوافقهم في التوبيخ، وخالفهم في المعنى، كقائل قال لرجل: أمثلك يسامي عمرا؟

<<  <  ج: ص:  >  >>