للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا غاية ما يكون من سخف المعنى وركاكته؛ لأن زنأ من ألفاظ الجهال والصبيان، وإنما أراد لو سار عليها عبيد، هذا العالم بأمر الإبل، في بعض حاجة لصغر عنده، أو لهانن عليه أمر شدقم وجديل، فلم يهتد بلفظ من هذا النحو فقال: «لزنأ شدقماً وجديلا» أتراه كان يقول لهما: يا زانيين، أو يا بني الزانيين، إن هذا من حماقات الطائي المحكمة، وسخفه العجيب مع ما في أبياته هذه من نقض المعنى الذي ذكره في الأبيات قبلها من الحث على القناعة، والقعود عن الحركة والاضطراب.

... وقال البحتري:

لعمرك كيف نرصف ما عدانا ... من الدنيا ونسخط ما يجينا (١)

عنانا ما عساه يزول عنا ... وأنصبنا تكلف ما كفينا (٢)

يقيض للحريص الغيظ بحتاً ... وتتجه الحظوظ لمن قضينا

وما هو كائن وإن استطلنا ... إليه النهج يوشك أن يكونا

فلا تغرر من الأيام وانظر ... إلى أقسامها عمن زوينا (٣)

وقال:

نسعى وأيسر هذا السعي يكفينا ... لولا تكلفنا ما ليس يعنينا

نروض أنفسنا أقصى رياضتها ... على مواتاة دهر لا يواتينا

فليت مسلفنا الأعمار أنظرنا ... مجاملاً فتأتي في تقاضينا

وهذا كله لا مزيد على حسنه وصحته وحلاوته.

<<  <  ج: ص:  >  >>