للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ما علمت، ومن جانبي الأيمن منقرس، فلو مر به الذباب .. لتألمت، وبي حصاة لا ينسرح لي البول معها، وأشد ما علي ست وتسعون سنة، وكان ينشد: [من الوافر]

أترجو أن تكون وأنت شيخ ... كما قد كنت أيام الشباب

لقد كذبتك نفسك ليس ثوب ... دريس كالجديد من الثياب

قال أبو الحسن البرمكي: أنشدني الجاحظ:

وكان لنا أصدقاء مضوا ... تفانوا جميعا فما خلّدوا

تساقوا جميعا كئوس المنون ... فمات الصديق ومات العدو

قال الشيخ اليافعي: (كان المناسب لقوله:

فمات الصديق ومات العدو

أن يذكر الأعداء مع الأصدقاء في البيت الأول فيقول:

لنا أصدقاء مضوا مع عدا

فيكون قوله في آخر البيت الثاني:

فمات الصديق ومات العدو

مطابقا لأول الأول) (١).

وحكى بعض البرامكة قال: كنت توليت السند، فأقمت بها ما شاء الله، ثم اتصل بي أني صرفت عنها وقد كنت كسبت ثلاثين ألف دينار، فخشيت أن يفجأني الصارف فيسمع بمكان المال فيطمع فيه، فصغته عشرة آلاف إهليلجة، في كل إهليلجة ثلاثة مثاقيل (٢)، ولم يمكث الصارف أن أتى، فركبت البحر وانحدرت إلى البصرة، فخبرت أن الجاحظ بها، وأنه عليل بالفالج، فأحببت أن أراه قبل موته، فصرت إليه، فأفضيت إلى باب دار لطيف فقرعته، فخرجت إلي خادم صفراء فقالت: من أنت؟ قلت: رجل غريب، وأحب أن أسر بالنظر إلى الشيخ، فبلغته الخادمة، فسمعته يقول: قولي له: وما يصنع بشق مائل، ولعاب سائل، ولون حائل، فقلت للجارية: لا بد من الوصول إليه، فلما بلّغته ..

قال: هذا رجل اجتاز بالبصرة، فسمع بعلتي، فأراد الاجتماع بي ليقول: قد رأيت الجاحظ.


(١) «مرآة الجنان» (٢/ ١٦٦).
(٢) الإهليلج: شجر ينبت في الهند والصين، ثمره على هيئة حب الصنوبر الكبار.

<<  <  ج: ص:  >  >>