للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم أذن لي فدخلت فسلمت عليه، فرد علي ردا جميلا وقال: من تكون أعزك الله؟ فانتسبت له فقال: رحم الله أسلافك وآباءك السمحاء، فلقد كانت أيامهم رياض الأزمنة، ولقد انجبر بهم خلق كثير، فسقيا لهم ورعيا، فدعوت له وقلت: أسألك أن تنشدني شيئا من الشعر، فأنشدني: [من الطويل]

لئن قدّمت قبلي رجال فطالما ... مشيت على رسلي فكنت المقدّما

ولكنّ هذا الدهر تأتي صروفه ... فتبرم منقوضا وتنقض مبرما

ثم نهضت، فلما قاربت الدهليز .. قال: يا فتى؛ أرأيت مفلوجا ينفعه الإهليلج، قلت: لا، قال: إن الإهليلج الذي معك ينفعني، فابعث لي منه، فقلت: نعم، وخرجت متعجبا من وقوعه على خبري مع كتماني، وبعثت إليه مائة إهليلجة.

وتوفي الجاحظ سنة خمس وخمسين ومائتين.

١٢٥٩ - [الخليفة المهتدي بالله] (١)

الخليفة المهتدي بالله محمد بن الواثق هارون بن المعتصم بالله محمد بن هارون الرشيد العباسي.

بقي الأمر بعد خلع المعتز لا قائم به حتى سار محمد بن الواثق المذكور من بغداد إلى سر من رأى، فوافاها يوم الأربعاء لليلة مضت من رجب سنة خمس وخمسين ومائتين، فبويع له بها.

وقد ذكرنا في فصل الحوادث أن موسى بن بغا ورد من الجبل إلى سر من رأى في أول سنة ست وخمسين (٢)، وقتل صالح بن وصيف التركي، ورجع إلى الجبل ولم يغير حالا على المهتدي، وأن المهتدي قبض على بايكباك، فتشعب عليه الأتراك، فقتله ورمى برأسه إليهم؛ ظنا منه أنهم يسكنون إذا رأوا رأسه، كما اتفق للمنصور مع أصحاب أبي مسلم، فاشتد تشعب الأتراك وخرجوا على المهتدي، فلبس السلاح، وشهر سيفه، وحمل


(١) «تاريخ الطبري» (٩/ ٤٤٠)، و «المنتظم» (٧/ ٨٨)، و «الكامل في التاريخ» (٦/ ٢٨٢)، و «سير أعلام النبلاء» (١٢/ ٥٣٥)، و «تاريخ الإسلام» (١٩/ ٣٢٦)، و «البداية والنهاية» (١١/ ٢٨)، و «النجوم الزاهرة» (٣/ ٢٦)، و «تاريخ الخلفاء» (ص ٤٢٧)، و «شذرات الذهب» (٣/ ٢٥٠).
(٢) بل سيذكر، انظر (٢/ ٥٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>