للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: فرجعت إلى بيتي، وأتيته وقلت: قد قلت فيك أحسن مما قاله البحتري، فقال:

هاته، فأنشدته: [من الطويل]

ولو أن برد المصطفى إذ لبسته ... يظن لظن البرد أنك صاحبه

وقال وقد أعطفته ولبسته ... نعم هذه أعطافه ومناكبه

فقال: ارجع إلى منزلك، وافعل ما آمرك به، فرجعت، فبعث إلي بسبعة آلاف دينار وقال: ادخر هذه للحوادث من بعدي، ولك علي الجراية والكفاية ما دمت حيا.

قال الشيخ اليافعي: (ولا يخفى ما في بيتيه المذكورين من الخروج إلى حيز الكفر من تشبيهه بالنبي صلّى الله عليه وسلم) (١).

وللمتنبي في معنى قول البحتري في المنبر: [من الكامل]

لو تعقل الشجر التي قابلتها ... مدّت محيّية إليك الأغصنا

وسبقهما أبو تمام بقوله: [من الخفيف]

لو سعت بقعة لإعظام نعمى ... لسعى نحوها المكان الجديب

ومن مستظرفات البحتري ما يحكى أنه كان بحلب شخص يقال له: أحمد بن طاهر الهاشمي، خلّف له أبوه مقدار مائة ألف دينار، فأنفقها على الشعراء والوزراء، وفي سبيل الله، فقصده البحتري من العراق، فلما وصل إلى حلب .. قيل له: إنه قد قعد في بيته لديون ركبته، فاغتم البحتري لذلك غما شديدا، وبعث المدحة إليه مع بعض مواليه، فلما وقف عليها .. بكى وقال لغلامه: بع داري، فقال له: تبيع دارك وتبقى على رءوس الناس؟ ! فقال: لا بد من بيعها، فباعها بثلاث مائة دينار، وأنفذها إلى البحتري، وكتب إليه معها هذه الأبيات: [من الخفيف]

لو يكون الحباء حسب الذي أن‍ ... ت لدينا به محل وأهل

لحثوت اللجين والدرّ واليا ... قوت حثوا وكان ذاك يقلّ

والأديب الأريب يسمح بالعذ ... ر إذا قصّر الصديق المقلّ


(١) «مرآة الجنان» (٢/ ٢٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>