للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكشف سرها، وقرب تناولها وجميع ما يحتاج إليه منها على ما أغفله الكندي وغيره من صناعة [التحليل وأنحاء] (١) التعاليم، وأوضح الغفل فيها عن مواد المنطق الخمسة، وعرف طرق استعمالها، وكيف تصرّف صورة القياس في كل مادة، فجاءت كتبه في ذلك الغاية الكاملة، والنهاية الفاضلة) اهـ‍ (٢)

قال ابن خلكان: (لم يزل أبو نصر ببغداد مكبا على الاشتغال بهذا العلم والتحصيل له إلى أن برز-أو قال: برع-فيه وفاق أهل زمانه، قال: ورأيت في بعض المجاميع أن أبا نصر لما ورد على سيف الدولة وكان مجلسه مجمع الفضلاء في جميع المعارف، فأدخل عليه وهو بزي الأتراك، وكان ذلك دأبه دائما، فوقف .. فقال له سيف الدولة: اقعد، فقال: حيث أنا أم حيث أنت، فقال: حيث أنت، فتخطى رقاب الناس حتى انتهى إلى مسند سيف الدولة، وزاحمه فيه حتى أخرجه عنه، وكان على رأس سيف الدولة مماليك، وله معهم لسان خاص يساررهم به قلّ من يعرفه، فقال لهم بذلك اللسان: إن هذا الشيخ قد أساء الأدب، وإني سائله عن أشياء إن لم يوف بها .. فاخرقوا به، فقال له أبو نصر بذلك اللسان: أيها الأمير؛ اصبر، فإن الأمور بعواقبها، فتعجب سيف الدولة وقال له: أتحسن هذه اللسان؟ ! فقال: نعم أحسن أكثر من سبعين لسانا، فعظم عنده، ثم أخذ يتكلم مع العلماء الحاضرين في المجلس في كل فن، فلم يزل كلامه يعلو وكلامهم يسفل حتى صمت الكل وبقي يتكلم وحده، ثم أخذوا يكتبون ما يقوله، وصرفهم سيف الدولة وخلا به، فقال: هل لك أن تأكل؟ قال: لا، قال: فهل تشرب؟ قال: لا، قال: فهل تسمع؟ قال: نعم، فأمر سيف الدولة بإحضار القيان، فحضر كل من هو من أهل هذه الصناعة بأنواع الملاهي، فلم يحرك أحد منهم آلته إلا وعابه أبو نصر وقال له: أخطأت، فقال له سيف الدولة: هل تحسن في هذه الصناعة شيئا؟ فقال: نعم، ثم أخرج من وسطه خريطة وفتحها وأخرج منها عيدانا، ثم ضرب بها، فضحك كل من في المجلس، وغيّر تركيبها وضرب بها، فبكى كل من في المجلس، ثم فكها وركبها تركيبا آخر وضرب بها، فنام كل من في المجلس حتى البواب، فتركهم نياما وخرج.

ويقال: إن الآلة المسماة بالقانون من وضعه، وهو أول من ركبها هذا التركيب، وكان


(١) الزيادة من «وفيات الأعيان» (٥/ ١٥٤).
(٢) «وفيات الأعيان» (٥/ ١٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>