للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيرزاد، واختفى الخليفة المستكفي، وتسللت الأتراك إلى الموصل، فأقامت الديلم ببغداد، ونزل أبو الحسين أحمد بن بويه المذكور بباب الشماسية، فقدّم إليه الخليفة التقاديم والتحف، ثم دخل ابن بويه إلى خدمة الخليفة وبايعه، فلقبه يومئذ: معز الدولة، ولقب أخاه الحسن: ركن الدولة، وأخاه عليا: عماد الدولة، وأمر أن تكتب ألقابهم على الدنانير والدراهم، واستوسقت المملكة لمعز الدولة، فلما تمكن .. كحل المستكفي بالله، وخلعه من الخلافة، وذلك أن علما القهرمانة-وهي كانت السبب في ولاية المستكفي- عملت دعوة عظيمة حضرها مقدم الديلم وعدة أمراء، فخاف معز الدولة من غائلتها؛ لأنها قد عرفت بالشهامة والتدبير ونقل الملك، وكان بعض الشيعة أيضا يثير الفتن ببغداد، فآذاه الخليفة المستكفي، وكان معز الدولة متشيعا، فلما كان في جمادى الآخرة .. دخل الأمراء إلى الخليفة، ودخل معز الدولة، فتقدم اثنان وطلبا من الخليفة المستكفي رزقهما، فمد لهما يده ليقبلاها، فجذباه إلى الأرض وسحباه، فوقعت الصيحة، ونهبت دار الخلافة، وقبضوا على علم القهرمانة، وعلى خواص الخليفة، وساقوا المستكفي ماشيا، وسملوه، وهو ثالث الخلفاء المسمولين، أولهم القاهر، ثم المتقي، ثم المستكفي، ثم أحضر معز الدولة أبا القاسم الفضل بن المقتدر، فبايعه، ولقبه المطيع لله، وقرر له معز الدولة كل يوم مائة دينار، وانحط دست الخلافة إلى هذه المنزلة، فلم يصر بيد الخليفة من جميع الدنيا إلا هذا القدر للنفقة مع شدة الغلاء؛ فإنهم في شعبان من هذه السنة كانوا ببغداد يأكلون الميتات والآدميين، ومات الناس على الطرق، ولم يوجد من يدفنهم، وبيعت الدور برغفان، واشترى المطيع كر دقيق بعشرة آلاف درهم.

قال الشيخ اليافعي: (والكر على ما قيل: ستة آلاف رطل بغدادي، فعلى هذا يكون قيمة كل رطل درهم وثلثي درهم، وهذا الغلاء وإن كان شديدا .. فقد وقع بمكة ما هو أشد منه، بلغ ثمن الرطل الدقيق نحو درهمين في سنة ست وستين وسبع مائة (١)، وبلغ في الزمن القديم على ما أخبرني من أثق به من شيوخ المجاورين فوق أربعة دراهم، وقع ذلك في زمانه، وبلغ في تهامة اليمن نحو هذا المبلغ قبيل التاريخ المذكور، وقبل ابتداء إنشاء تاريخي هذا بسنة) انتهى كلام الشيخ اليافعي (٢).


(١) في «مرآة الجنان» (٢/ ٣١٤): (في سنة ست وسبع مائة).
(٢) «مرآة الجنان» (٢/ ٣١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>