للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألا موت لذيذ الطعم يأتي ... يخلصني من العيش الكريه

إذا أبصرت قبرا من بعيد ... وددت أنني مما يليه

ألا رحم المهيمن نفس حرّ ... تصدق بالوفاة على أخيه

وكان معه رفيق يقال له: أبو عبد الله الصوفي-وقيل: أبو الحسن العسقلاني-فلما سمع الأبيات .. اشترى له بدرهم لحما وطبخه وأطعمه وتفارقا، وتنقلت بالمهلبي الأحوال، وتولى الوزارة ببغداد لمعز الدولة، وضاقت الأحوال برفيقه في السفر الذي اشترى له اللحم، وبلغه وزارة المهلبي، فقصده وكتب إليه: [من الوافر]

ألا قل للوزير فدته نفسي ... مقالة مذكر ما قد نسيه

أتذكر إذ تقول لضيق عيش ... ألا موت يباع فأشتريه

فلما وقف عليه .. تذكره وهزته أريحيّة الكرم، فأمر له في الحال بسبع مائة درهم، ووقع في ورقته {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْاالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ} ثم دعا به وخلع عليه، وقلده عملا يرتفق به.

ومن الشعر المنسوب إلى الوزير المذكور في وقت الإضاقة: ما كتبه إلى بعض الرؤساء قوله: [من الوافر]

ولو أني استزدتك فوق ما بي ... من البلوى لأعوزك المزيد

ولو عرضت على الموتى حياة ... بعيش مثل عيشي لم يريدوا

وقيل: البيتان لأبي نواس.

وقال أبو إسحاق الصابي صاحب «الرسائل»: كنت يوما عند الوزير المهلبي، فأخذ ورقة وكتب، فقلت بديها: [من البسيط]

له يد برعت جودا بنائلها ... ومنطق درّه في الطّرس ينتثر

فحاتم كامن في بطن راحته ... وفي أناملها سحبان مستتر

وكان من رجال الدهر عزما وحزما وسؤددا وعقلا ونباهة ورأيا.

توفي سنة اثنتين وخمسين وثلاث مائة (١).


(١) في «المنتظم» (٨/ ٣١١)، و «البداية والنهاية» (١١/ ٢٨٩) ذكر في وفيات سنة (٣٥١ هـ‍).

<<  <  ج: ص:  >  >>