للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحفظ، وكرم النفس، والتدين، وما رأيت من يقول الشعر على البديهة أسرع منه، ثم قال: أنشدني لنفسه: [من الوافر]

لئن أصبحت مرتحلا بجسمي ... فروحي عندكم أبدا مقيم

ولكن للعيان لطيف معنى ... له سأل المعاينة الكليم

وروى الحافظ الحميدي له أيضا: [من الوافر]

أقمنا ساعة ثم ارتحلنا ... وما يغني المشوق وقوف ساعة

كأن الشمل لم يك ذا اجتماع ... إذا ما شتّت البين اجتماعه) (١)

وكان عاملا بعلمه، زاهدا بعد الرئاسة التي كانت له ولأبيه من قبله في الوزارة وتدبير الملك والممالك، فإن والده كان وزير أبي عامر المنصور في بلاد المغرب، وكان من أهل العلم والأدب والخير، قال ولده المذكور (٢): أنشدني والدي في بعض وصاياه لي: [من الطويل]

إذا شئت أن تحيى غنيا فلا تكن ... على حالة إلا رضيت بدونها

ومن تصانيف أبي محمد المذكور كتاب «الخصال الجامعة لجمل شرائع الإسلام في الواجب والحلال والحرام والسنة والإجماع» أورد فيه أقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين، وكتاب «إظهار تبديل اليهود والنصارى في التوراة والإنجيل، وبيان تناقض ما بأيديهم من ذلك بما لا يحتمله التأويل» وهو شيء لم يسبق إليه.

ومع فضائله المذكورة كان كثير الوقوع في العلماء المتقدمين، لا يكاد أحد يسلم من لسانه، حتى قال أبو العباس ابن العريف: كان لسان ابن حزم وسيف الحجاج بن يوسف شقيقين، فنفرت عنه القلوب، واستهدف لفقهاء وقته، فتمالئوا على بغضه، وردوا قوله، وأجمعوا على تضليله، وشنعوا عليه، وحذروا سلاطينهم من فتنته، ونهوا عوامهم عن الدنو إليه والأخذ عنه، فأقصته الملوك وشردوه عن بلادهم حتى انتهى إلى بادية، فمات بها في سنة ست وخمسين وأربع مائة.


(١) «جذوة المقتبس» (ص ٣٠٩) إلا البيتين الأخيرين فلم نجدهما فيه.
(٢) يعني صاحب الترجمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>