للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منها: أنه ضرب في الهندي بميل حديد حتى أفناه؛ أي: لم يبق منه ما يمكن لزومه بالأصابع للضرب.

ومنها: أنه سقط في بئر جامع الجند المسماة: زمزم، وهي بعيدة الغور، فدلي له حبل يطلع عليه، فتعلق ونزع، فلما صار قريبا من رأس البئر .. انقطع به الحبل، فوقع في قعر البئر، وهكذا ثلاث مرات كلما تعلق بالحبل وصار قريبا من رأسها .. انقطع الحبل وعاد إلى مكانه، ثم أخرج في الرابعة سالما ليس به بأس.

ومنها: أنه خرج يوما من سير إلى الصردف، فوجد لصوصا قد أخذوا ثورا وهم يسوقونه وقد خرج أصحاب الثور بعدهم، فلما أحس اللصوص بالغارة .. قالوا للفقيه: يا شيخ؛ سق لنا هذا الثور إلى أن نقضي حاجة، فساقه ولا علم له بقضيتهم، فلحقه سرعان الغارة وأساءوا إليه في القول والفعل، وبطشوا به، ووصل بعدهم من عرفه، فكفوهم عنه، وسألوه عن القصة، فأخبرهم الحال، وتحققوا صدقه، فاعتذروا إليه وأكرموه، واعتذر إليه المسرعون، وسألوه الصفح عنهم، ففعل.

ومنها: أن شخصا من الجن كان يقرأ عليه، فبينا هو عنده يوما في حلقة القراءة؛ إذ مر بهم محنش، وهو الذي يصيد الحنشان ويلعب بهم ولا يضره منهم شيء، فقال الجني للفقيه: أريد أن أتصور له حنشا، فإن هو أمسكني .. فأنقذني منه، ولا تدعه يذهب بي، فنهاه الفقيه، فلم ينته، فتصور حنشا، وتعلق بخشبة بالسقف، فطلب أحد الطلبة المحنش وأراه الحنش في السقف، ففتح المحنش جونته، وتلا ما يعتاد تلاوته من الرقى والعزائم، فانخرط الحنش واقعا في الجونة، فأطبقها عليه المحنش واحتملها يريد الخروج به، فلازمه الجماعة وقالوا: هذا جار الفقيه منذ زمن طويل، وإنما دعاك ليختبر صدقك وجودة صنعتك، فتأبّى، فافتداه الفقيه منه بشيء فأطلقه، فغاب الجني عن مجلس الفقيه خمسة عشر يوما، ثم وصل إليه وبه ضعف ظاهر، وفي جسمه ندوب كإحراق النار، فسأله عن حاله فقال: لما رآني المحنش وتلا ما تلاه من العزائم والرقى قبالتي .. رأيت البيت كأنه امتلأ نارا، وليس لي خلاص غير الوقوع في الجونة فدخلتها، وأنا من ذلك الوقت مريض، فقال له الفقيه: قد كنت نهيتك، فلم تنته.

قال الجندي: (توفي بالصردف على رأس الخمس مائة) (١).


(١) «السلوك» (١/ ٢٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>