للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واتصل بخدمة الملك بركياروق بن ملك شاه، وحظي عنده بالمال والجاه، وارتفع شأنه، وتولى القضاء بتلك الدولة.

وكان محدثا، يستعمل الأحاديث في مناظرته ومجالسه، ومن كلامه: إذا جالت فرسان الأحاديث في ميادين الكفاح .. طارت رءوس المقاييس في مهاب الرياح.

سأله الحافظ السلفي عن كتبة الحديث: هل يدخلون في الوصية للعلماء والفقهاء؟ فأجاب بدخولهم، قال: كيف لا يدخلون وقد قال صلّى الله عليه وسلم: «من حفظ على أمتي أربعين حديثا من أمر دينها .. بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما»؟ ! اهـ‍ (١)

والذي ذكره الرافعي والنووي رحمهما الله تعالى: أنه إذا أوصى للعلماء .. لا يدخل فيه الذين يسمعون الحديث ولا علم لهم بطرقه، ولا بأسماء الرواة، ولا بالمتون؛ فإن السماع المجرد ليس بعلم (٢).

وسئل عن يزيد بن معاوية، فقدح فيه وشطح، وكتب فصلا طويلا، ثم قلب الورقة وكتب: لو مددت ببياض .. لمددت العنان في مخازي هذا الإنسان، وكتب: فلان بن فلان.

وخالفه الإمام أبو حامد الغزالي؛ فإنه سئل عمن صرح بلعن يزيد: هل يحكم بفسقه؟ وهل يشرع الترحم عليه أم السكوت أفضل؟ فأجاب بما معناه: (لا يجوز لعن مسلم أصلا، ويزيد صح إسلامه، وما صح قتله الحسين، ولا أمره به، وما لم يصح عنه ذلك ..

لا يجوز أن يظن به ذلك؛ فإن إساءة الظن بالمسلم حرام، قال الله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ، } وقال صلّى الله عليه وسلم: «إن الله حرم من المسلم دمه وماله وعرضه، وأن يظن به ظن السوء» (٣).

قال: ومن زعم أن يزيد أمر بقتل الحسين رضي الله عنه .. فهو أحمق؛ فإن من قتل من الأكابر والوزراء والسلاطين لو أراد أحد أن يعلم حقيقة من الذي قتله، ومن الذي رضي به، ومن الذي كرهه .. لم يقدر على ذلك وإن كان قد قتل بجواره وزمانه وهو يشاهده، فكيف يعرف ذلك فيمن انقضى عليه قريب من أربع مائة سنة في مكان بعيد؟ ! فهذا لا تعرف حقيقته


(١) أخرجه البيهقي في «الشعب» (١٥٩٦)، وابن عدي في «الكامل» (٥/ ١٥٠)، وانظر «التلخيص الحبير» (٤/ ٢٠٧١)، و «المقاصد الحسنة» (ص ٤١١).
(٢) انظر «روضة الطالبين» (٦/ ١٦٩).
(٣) أخرجه البخاري (٥١٤٤)، ومسلم (٢٥٦٤)، والترمذي (١٩٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>