للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسألوها الزاد، فلم يصيبوا عندها شيئا، وكانوا مسنتين (١)، وسألها عن شاة في خيمتهم:

«هل بها من لبن؟ » قالت: هي أجهد من ذلك، إنما خلّفها عن الغنم الجهد، فمسح صلّى الله عليه وسلم بيده الكريمة على ضرعها، وسمّى الله ودعا [لها] في شاتها فتفاجّت (٢) عليه ودرّت، فدعا بإناء يربض الرهط-أي: يرويهم-فحلب وسقاها وسقى أصحابه، وشرب صلّى الله عليه وسلم آخرهم، ثم ملأه وغادره عندها، وبايعها وارتحلوا عنها.

وأصبح صوت بمكة عال يسمعونه ولا يرون من صاحبه-قيل: هو من الجن-وهو يقول: [من الطويل]

جزى الله ربّ العرش خير جزائه ... رفيقين قالا خيمتي أمّ معبد (٣)

هما نزلاها بالهدى فاهتدت به ... فقد فاز من أمسى رفيق محمد

فيال قصيّ ما زوى الله عنكم ... به من فخار لا يجارى وسؤدد

ليهن بني كعب مكان فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد

سلوا أختكم عن شاتها وإنائها ... فإنّكم إن تسألوا الشاة تشهد

دعاها بشاة حائل فتحلّبت ... له بصريح ضرّة الشاة مزبد (٤)

قيل: ولما هبطوا العرج (٥) .. أبطأ عليهم بعض ظهرهم، فحمل رسول الله صلّى الله عليه وسلم رجل يقال له: أوس بن حجر (٦) على جمل له اسمه: الرّداح (٧)، وبعث معه غلاما له يقال له: مسعود بن هنيدة، ثم سلكوا من العرج ثنية العائر (٨) عن يمين ركوبه وهبوطه بطن رئم (٩)، ثم قدموا قباء على بني عمرو بن عوف.

ولما سمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم من مكة .. كانوا


(١) مسنتين: مجدبين.
(٢) تفاجّت؛ أي: باعدت بين رجليها لامتلاء ضرعها باللبن.
(٣) قالا: من القيلولة، وتعديته بغير حرف الجر خلاف القاعدة، وفي رواية: (حلاّ)، وهي أصوب، والله أعلم.
(٤) أخرجه الحاكم (٣/ ٩)، والطبراني في «الكبير» (٤/ ٤٨).
(٥) العرج-بفتح العين المهملة وإسكان الراء-: قرية في أول تهامة بينها وبين المدينة ثمانية وسبعون ميلا.
(٦) أوس بن حجر: بضم المهملة وإسكان المعجمة، كذا في «الروض الأنف» (٢/ ١٥٠)، وذكر أن الدارقطني يقول: بفتحتين، وضبطها بفتحتين أيضا ابن ناصر الدين في «توضيح المشتبه» (٣/ ١٢٧)، والله أعلم.
(٧) وقع عند ابن هشام (٢/ ٤٩١): (ابن الرّداء)، وذكره السهيلي في «الروض الأنف» (٢/ ١٥١) وقال: (وفي رواية يونس بن بكير عن ابن إسحاق: يقال له: الرداح).
(٨) الثنية: كل عقبة في الجبل مسلوكة، والعائر: بالعين المهملة، ويقال: بالعين المعجمة: جبل بالمدينة.
(٩) رئم-بكسر الراء وهمز ثانيه وسكونه-: واد قرب المدينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>