للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دور الأنصار .. اعترضوه ولزموا بزمام ناقته يقولون: هلمّ يا رسول الله إلى القوة والمنعة، فيقول: «خلّوا سبيلها؛ فإنها مأمورة»، وقد أرخى لها زمامها ولا يحركها، وهي تنظر يمينا وشمالا والناس كنفتيها حتى بركت على باب مسجده (١) -وهو إذ ذاك مريد ليتيمين من الأنصار-ثم ثارت وهو عليها، فسارت حتى بركت على باب أبي أيوب الأنصاري، ثم التفتت يمينا وشمالا، ثم ثارت وبركت في مبركها الأول، وألقت جرانها بالأرض (٢)، وأرزمت-أي: صوّتت-فنزل عنها، وقال: «هذا المنزل إن شاء الله تعالى»، فاحتمل أبو أيوب رحله فأدخله بيته، وكان صلّى الله عليه وسلم يحب النزول على أخواله بني النجار، فاختار الله له ما كان يختاره (٣)) (٤).

ودار أبي أيوب اليوم مدرسة للمذاهب الأربعة، اشترى عرصتها الملك المظفر أحد بني أيوب بن شاذي (٥)، وبناها مدرسة وأوقفها على المذاهب الأربعة من أهل السنة، وأوقف عليها أوقافا بميّافارقين (٦).

وفي هذه السنة: بنى صلّى الله عليه وسلم مسجده الشريف حيث مبرك الراحلة، وكان مربدا للتمر لسهل وسهيل ابني رافع بن عمرو؛ غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة، فاشتراه صلّى الله عليه وسلم بعشرة دنانير ذهبا دفعها عنه أبو بكر، ثم بناه صلّى الله عليه وسلم وأعانه المسلمون عليه، وكان ينقل معهم اللّبن ويقول: [من الرجز]

هذا الحمال لا حمال خيبر ... هذا أبرّ ربّنا وأطهر (٧)

فقال بعض المسلمين: [من الرجز]

لئن قعدنا والنّبيّ يعمل ... لذاك منّا العمل المضلّل


(١) كنفتيها: الكنف بفتحتين: الجانب، واكتنفه القوم: كانوا منه يمنة ويسرة.
(٢) جرانها: الجران-بكسر الجيم-: مقدم عنق البعير، فإذا برك البعير ومدّ عنقه على الأرض .. قيل: ألقى جرانه بالأرض.
(٣) أخرجه مسلم (٢٢١٩)، وعبد الرزاق (٩٧٤٣) من حديث طويل.
(٤) «بهجة المحافل» (١/ ١٥٤).
(٥) الملك المظفر عمر بن شاهنشاه بن أيوب، المتوفى سنة (٥٦٨ هـ‍)، وأما أيوب بن شاذي .. فتوفي سنة (٥٨٧ هـ‍)، وستأتي ترجمة كلّ وفقا لسنة وفاته.
(٦) ميّافارقين: مدينة قديمة بتركيا تقع شمال شرقي ديار بكر.
(٧) أخرجه البخاري (٣٩٠٦) من حديث طويل، والحمال-بكسر الحاء-أي: المحمول، وهو اللّبن، وربنا: منادى مضاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>