للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الحافظ أبو زكريا العامري: (وفي هذه السنة: ذكر ابن إسحاق قتل كعب بن الأشرف الطائي وأمه من بني النضير، وذكره غير واحد في الثالثة قبيل غزوة بني النّضير (١)، وكان من حديثه: لما نصر الله نبيه ببدر .. اشتد حسده وبغضه، فقدم مكة فجعل يحرضهم ويرثي من قتل منهم، ثم رجع المدينة فشبّب بنساء المسلمين، فقال صلّى الله عليه وسلم:

«من لكعب بن الأشرف؛ فإنه قد آذى الله ورسوله»، فقال محمد بن مسلمة الأنصاري:

أتحب يا رسول الله أن أقتله؟ قال: «نعم»، قال: فأذن لي أن أقول شيئا، قال:

«قل»، فأتاه محمد بن مسلمة، فقال: إن هذا الرجل قد سألنا صدقة، وإنه قد عنّانا، وإني آتيك أستسلفك، قال: وأيضا والله؛ لتملّنّه، قال: إنا قد اتبعناه، فلا نحب أن ندعه حتى ننظر إلى أيّ شيء يصير شأنه، وقد أردنا أن تسلفنا وسقا أو وسقين، قال: نعم، أرهنوني نساءكم، قالوا: كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب؟ ! قال: أرهنوني أبناءكم، قالوا: كيف نرهنك أبناءنا فيسبّ أحدهم فيقال: رهن بوسق أو وسقين؟ ! هذا عار علينا، ولكنا نرهنك اللّأمة-يعني: السلاح-فواعده أن يأتيه، فجاءه ليلا ومعه أبو نائلة-وهو أخو كعب بن الأشرف من الرضاعة-وأبو عبس بن جبر والحارث ابن أوس وعبّاد بن بشر، فلما دعوه .. قالت امرأته: أين تخرج هذه الساعة؟ ! وقالت: أسمع صوتا كأنه يقطر منه الدم، فقال: إنما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة؛ إن الكريم إذا دعي إلى طعنة بليل .. لأجاب، فنزل إليهم متوشّحا ينفح منه ريح الطيب، فقال محمد بن مسلمة: ما رأيت كاليوم ريحا؛ أي: أطيب، قال: عندي أعطر النساء، قال: أتأذن لي أن أشم رأسك، قال: نعم، فشمه، ثم أشمّ أصحابه، ثم قال: أتأذن لي، قال: نعم، فلما استمكن منه .. قال: دونكم، فقتلوه، ثم أتوا النبي صلّى الله عليه وسلم فأخبروه (٢).

وذكر ابن إسحاق بعده قتل أبي رافع عبد الله بن أبي الحقيق اليهودي تاجر أهل الحجاز (٣)، وكان بخيبر، وكان يؤذي رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ويعين عليه، فبعث


(١) ذكره في السنة الثالثة كلّ من ابن سعد في «الطبقات» (٢/ ٢٨)، والطبري في «التاريخ» (٢/ ٤٨٧)، وابن الجوزي في «المنتظم» (٢/ ٢٦١)، وابن الأثير في «الكامل في التاريخ» (٢/ ٣٤)، والذهبي في «تاريخ الإسلام» (٢/ ١٥٧)، وابن كثير في «البداية والنهاية» (٤/ ٣٧٩)، وغيرهم، وهو الراجح، والله أعلم.
(٢) أخرجه البخاري (٤٠٣٧)، ومسلم (١٨٠١).
(٣) ذكر المؤلف هنا قتل ابن أبي الحقيق بعد ذكره قتل ابن الأشرف تبعا لابن إسحاق .. يوهم أن قتله كان في السنة الثانية أيضا، وليس كذلك؛ فقد ذكر ابن الأثير في «الكامل في التاريخ» (٢/ ٣٧): أن قتله كان في الثالثة، وذكر الواقدي في «المغازي» (١/ ٣٩١): أن قتله كان في الرابعة، وذكر ابن سعد في «الطبقات» (٢/ ٨٧)، وابن الجوزي في-

<<  <  ج: ص:  >  >>